من غير سبب! هكذا قال صاحبي وهو يحكي كيف أن المنصب المرشح له لم ينله وأن بعض ممن يعرفهم يتجاهلونه الآن وأن ابنه قرر مغادرة المنزل إلى غير رجعة، وأن الجائزة العربية العالمية وبعد أن ورد اسمه في القائمة الطويلة لم يعلن عن القائمة القصيرة وتم حجب الجائزة، سألته: هل وجد شىء منذ أن خلق الله العالم يحدث دون سبب؟ لماذا تتردد هذه العبارة على لساننا دائماً، هل هو عجز عن إدراك الأسباب متى كانت خفية أم أنها العبارة المريحة التي لا تستدعي جهداً في البحث أم صرنا أسرى صدمة الفعل فجاء رد الفعل جاهزاً من غير سبب!
تهتم فلسفة السبب أو السببية بالعلاقة بين السبب والنتيجة أو أن لكل حدث سبباً، ومع معرفتنا المكتسبة بالسبب والنتيجة تبدو الأحداث اليومية الآن على الصعيد الشخصي أو المجتمعي، العالمي ـأو المحلي أشبه بالثقوب السوداء تبتلع الحدث دون فهم السبب ومعرفة النتيجة.
هل يمكن القول أن الأسباب ونتائجها هي مجرد أفكار في أذهاننا، أم هي خارج أذهاننا في معظم الأمور وغير قابلة للتنبؤ.
ويمكن أن نسأل هل فكرة الارتباط هي علاقة سببية؟ قد نفهم أن حركة سيارة مرتبط بلون إشارة المرور لكن الواقع يتوقف على ضغط السائق على دواسة الوقود من عدمه، إننا هنا نقيم روابط بين الأشياء تعكس فهمنا لها لكن دون أن تكون هناك علاقة سببية بينها، وحينما نفترض وجود علاقة سببية بين الأشياء التي نلاحظها أو نرصدها فإنه يجب إدراك أن الارتباط شرط أساسي للسببية لكن ليس كل الشروط.
وحينما نحدد شروط للسبب أو للسببية فإنها:
- 1- الترتيب الزمني المنطقي.
- 2- الارتباط.
- 3- الآلية.
- 4- عدم الزيف.
لكن تبقى صعوبة التطبيق بين متغيرين مثل موقف فردي ورد فعل جماعي أو بين سلوك شعبي وفي المقابل ردة فعل رسمية، ولا يعني هذا استحالة تطبيق الشروط الأربعة ، بل تمثل طريقة دقيقة يصعب معها تحديد العلاقة السببية.
وقد يحدث عند الوصول إلى السبب أن يكتشف أنه سبب وهمي حينما نتصور علاقة قائمة بين متغيرين فإذا بنا نكتشف أن السبب هو عامل ثالث مشترك وعندما نسأل عن كون الطبيعة البشرية هي السبب في الحروب أي أنانية البشر وتنافسهم يدفعونهم إلى الصراع ومن ثم الحروب وهنا تكون هذه الطبيعة البشرية المتأصلة تعبيراً عن قوة سببية وطبيعية لسلوك الدول كما يرى المفكر السياسي “هانز مورجنثيو” أم يجب الفصل بين الطبيعة البشرية والدولة والنظام الدولي بمستويات للتحليل السببي؟
وأخيراً هل نتعامل مع واقعنا الاجتماعي بنظريات تفسيرية من خلال تحليل سببي أم نحاول فهم هذا الواقع من خلال نظريات تأويلية تسعى لفهم الفعل الإنساني من الداخل من خلال البحث عن معناه ومبرراته.
ولعل من أروع ما قدم عن العلاقة السببية ما ذكره المبدع (سيد حجاب) منين بيجي الشجن.. من اختلاف الزمن ومنين بيجي الهوى.. من ائتلاف الهوى، ومنين بيجي السواد.. من الطمع والعناد.









