شهدت الأيام القليلة الماضية جسرا جويا بين واشنطن و تل أبيب ينقل كبار مسئولى البيت الأبيض لإجراء مباحثات فى المنطقة، يتم تكثيف الاجتماعات بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس والوسطاء الدوليين فى القاهرة والدوحة وتل أبيب، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار والانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، التى تُعدّ الأكثر تعقيداً وحساسية منذ اندلاع الحرب، إدارة الرئيس دونالد ترامب، تعمل على منع بنيامين نتنياهو من إلغاء اتفاق غزة واستئناف الهجوم على القطاع، يحاول كل من نائب الرئيس الأمريكى جيه دى فانس، وستيف ويتكوف مبعوث ترامب للسلام فى الشرق الأوسط، وصهر الرئيس الأميركى جاريد كوشنر، وأخيرا وزير الخارجية الأمريكى مارك روبيو منع نتنياهو من استئناف هجوم شامل على حماس وخرق اتفاق شرم الشيخ، ويستهدفون استقرار الوضع، وضمان ايصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإعادة جثث الرهائن الإسرائيليين المتوفين إلى عائلاتهم.
لم يعد خافيا أن البيت الأبيض يتوقع انقلاب نتنياهو على الاتفاق بعدما تسلم الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس وعدد كبير من جثامين القتلى، زوار المنطقة ويتكوف وكوشنر وروبيو يدركون أن الوضع حساس للغاية، وأن اتفاق السلام الذى تم التفاوض عليه معرّض لخطر الانهيار، فأعرب مسئولون أميركيون لصحيفة نيويورك تايمز عن قلقهم المتزايد من أن نتنياهو قد يفكك الاتفاق، فى حين يعتقد الرئيس الأمريكى فى الوقت الحالى أن قادة حماس مستعدون لمواصلة المفاوضات بحسن نية، وأن الهجوم الأخيرعلى الجنود الإسرائيليين نفذه عنصر هامشى من الحركة، وفقا لمسئول فى البيت الأبيض.
تُعد المرحلة الثانية من الاتفاق هى الأكثر حساسية، كونها سترسم شكل الحل النهائى للحرب.. ويزيد من تعقيد الوضع عدم تقديم حركة حماس موافقة رسمية مسبقة على بنود هذه المرحلة، حيث استخدمت الحركة فى الرد على القضايا المطروحة عبارة «الإحالة إلى موقف وطنى جامع»، باعتبارها قضايا تتجاوز حدود غزة وتمسّ مجمل القضية الفلسطينية.. كما يمكن القول بأن حماس حتى الآن ترفض نزع سلاحها وهذا يعطل تشكيل القوة الدولية التى يفترض أن تحكم غزة، إذ يبدو أن هناك قوى ترفض دخول غزة قبل تسليم أسلحة حماس، ما يعطى إسرائيل فرصة حيث أنها تحاول الاستفادة من هذا الوضع والتنصل من الاتفاق برغم محاولات الضغط الأمريكية على إسرائيل لإتمام الاتفاق من خلال الزيارات الرسمية المتتالية لإسرائيل، ويبقى ملف نزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية أحد أكثر القضايا حساسية وتعقيداً فى المرحلة المقبلة من الاتفاق، لما له من أبعاد أمنية وسياسية تتجاوز حدود قطاع غزة, الرئيس ترامب قال أنه لا يوجد جدول زمنى قطعى لنزع سلاح حماس، لكنه شدد على أن على حماس القيام بما يقع على عاتقها خلال هذه المرحلة، دون تقديم تفاصيل حول آليات التنفيذ, وفى مقابلة لاحقة مع شبكة فوكس نيوز، أضاف ترامب: «إذا لم يفعلوا ما هو متوقع منهم، سنقوم نحن بذلك» وهذا معناه أيضا قتل الاتفاق برمته.
عقبة أخرى معطلة وهى طلب اسرائيل استمرار حرية العمل العسكرى فى القطاع لمعاقبة حماس، وتقول مصادر مقربة من الوفود المفاوضة إن نتنياهو وافق على الاتفاق بضغط أمريكى كبير، و أن الاتفاق الحالى لا يعالج جذور الصراع الإسرائيلى – الفلسطينى، وهو ما قد يهدد استدامته ويزيد من تعقيد البنود الخلافية بين الأطراف.. هذا إلى جانب السلوك الإسرائيلى الذى يمكن اعتباره تحرش بالاتفاق فموافقة الكنيست الإسرائيلى بشكل مبدأى على ضم أجزاء من الضفة الغربية، أمر يعقد الأمور أكثر.
حتى الآن لا تزال مسألة إدخال قوة عسكرية دولية إلى قطاع غزة،- وهى خطوة تدفع بها كل من مصر والولايات المتحدة – نقطة خلافية حيث تعارض إسرائيل إدخال هذه القوات فى المرحلة الحالية، وذكرت المصادر ذاتها أن عدداً من الدول أبدى اهتماماً بالمشاركة فى هذه القوة، من بينها أذربيجان وقطر والأردن وإندونيسيا وتركيا، فيما أبدت إسرائيل اعتراضاً واضحاً على وجود أى قوات تركية ضمن هذه القوة، وتقترح مصر استصدار قرار من مجلس الأمن الدولى بإنشاء قوة متعددة الجنسيات تحت مظلة قانونية، تتولى مهمة الحفاظ على وقف إطلاق النار ودعم الاستقرار فى القطاع.
كل التحديات السابقة إذا لم يتم التصدى لها بحزم فسينهار الاتفاق مع الأسف و تعود الحرب مجددا.









