عندما عاد عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين من بعثته التعليمية بجامعة السوريون بفرنسا.. وعايش المجتمعات المتحضرة وتقدمها المذهل بفضل ثقافة الشعوب المتعلمة.. أطلق عبارته الشهيرة عندما تولى وزارة التعليم: «التعليم كالماء والهواء» ليكون إلزاماً على الأسرة والدولة تعليم الأبناء.. وفى حقبة الستينيات كان يتم تغريم الأسرة التى لا تلحق صغارها بالمدارس.. خاصة فى الريف والقرى.. وكان من أهم مبادئ ثورة 23 يوليو 1952 التى غيرت وجه الحياة فى مصر وأعادت مصر بخيراتها للمصريين ولم تعد الحياة قاصرة على الملك وحاشيته.. كان من أهم مبادئ ثورة يوليو مجانية التعليم.. ليكون حقاً كـ «الماء والهواء» ينعم به كل المصريين أغنياء وفقراء.. وكانت المناهج والكتب جاذبة وممتعة وقصصا حياتية.. طريفة ومثمرة.. وكلنا جيل الستينيات والسبعينيات كنا نحفظ المناهج عن ظهر قلب بكل عباراتها وتفاصيلها وتربينا على ثنائيات عادل وسعاد.. وأمل وعمر فى «كتب القراءة» والشيخ الحكيم الذى جمع أبناءه ومنحهم حزمة من القصب لكسرها فلم يستطع أحد من الأبناء كسرها وعندما فك الحزمة وأعطى كل واحد منهم عوداً من القصب كسره بسهولة ليعلم أبناءه أن الاتحاد قوة.. وكان عنوان الدرس «الاتحاد قوة».. درس عملى وبسيط حفظناه بكل معانيه ومغزاه وسكن الذاكرة إلى اليوم.. حتى الطيور صديقة الفلاح وفوائدها أبوقردان الذى يطهر التربة من الديدان عند رى الأرض الزراعية.. وقيمة المياه وأثرها فى حياة الإنسان.. واستخدامها فى الرى.. والاعتماد على الثمار والقمح من يد الفلاح.. ثم المصانع والغزل والنسيج والقطن المصرى وصناعة الملابس.. دروس بسيطة وعملية من الصف الأول الابتدائى إلى الإعدادية والثانوية.. كانت المناهج يسيرة وعملية.. ولم نر التعقيد الحقيقى إلا بعد الحديث عن تطوير المناهج.. والتدخل لتغيير مسار الثانوية العامة.. وهل هى سنة واحدة أم سنتان.. علمى وأدبى.. أم علمى علوم ورياضة وأدبى.. ثم إلغاء سنة سادسة.. ثم أعدناها.. فلماذا تم الإلغاء.. ثم لماذا عادت.. كل مسئول له رؤية.. ولا فائدة علمية على الطالب على الإطلاق.
>>>
وظلت منظومة التعليم حائرة.. بين رؤى الوزارة.. والاطلاع على تجارب دول متقدمة.. دون إمكانات للتنفيذ.. والفوارق كبيرة بين هنا وهناك.. والتطوير ليس مجرد نظريات وأبحاث.. وإنما هناك عنصران مهمان وهما الأساس.. المعلم.. والطالب.. المعلم هو الصانع.. والطالب هو المنتج المستهدف.. وتطوير العقول.. يسبق تطوير الفصول.. ثم العنصر الثالث وهو مكان العلم.. «المدارس».. وإمكاناتها.. فكيف يتعلم الصغير فى مدارس بدورات مياه متهالكة ولا تصلح للآدميين.. وفصل يتكدس فيه 70 أو 80 تلميذاً.. وكان الله فى عون الدولة فكيف تلبى احتياجات 110 ملايين نسمة فى حاجة إلى علاج وتعليم وحياة شاملة؟! وتلك قضية أخرى.
>>>
فى اليابان يهتمون جداً بمراحل «الكى جى».. وأرقى المستويات العلمية تتولى تعليم الصغار.. ولا يركزون فى مراحل «الكى جى» على المواد العلمية وتعقيد الصغار وتنفيرهم من المدارس.. وإنما يركزون على غرس النظام والانضباط والالتزام.. واحترام المعلم والمدرسة والزملاء.. والانتماء للوطن ومعقل العلم.. فإذا التزم الصغير واستوعب تماماً ذلك.. تبدأ المادة العلمية وبأيسر السبل وأكثرها فائدة وبالتدريج منصات اليابان فى مقدمة الدول علمياً.. وتجربة سنغافورة وماليزيا.. حتى صارت جامعات ماليزيا وسنغافورة فى مراتب عالمية متقدمة.. تجارب يسيرة ورائعة وليست اختراع ذرة!! بل مجرد مدارس ومناهج جاذبة للصغار والكبار.
>>>
والذى أثار شجونى لدعوة عميد الأدب العربى واستدعاء تجارب اليابان وماليزيا وسنغافورة العُقد التى نصدرها للصغار فى مناهجنا.. وقد تعجبت عندما رأيت فى منهج قرآن «كى جى تو» أول سورة مطلوب حفظها «ويل لكل همزة لمزة» والتى يعجز الكبار غير المجيدين للقراءات القرآنية قراءتها.. تركنا كل الآيات «اقرأ باسم ربك».. «وقل اعملوا».. «واعتصموا بحبل الله جميعاً».. كل آيات العلم والعمل وكأننا نريد أن ننفر الصغير ونصعب عليه حياته.
ناهيك عن إمكانات وعدم تأهيل المعلمين خاصة مادة التربية الدينية.. أرجوكم لا تجعلوا مدارسنا ومناهجنا طاردة للصغار.. يرحمكم الله!!









