أواصل الحديث عن الإستراتيحية الوطنية للسياحة، واستعرض اليوم المقومات الأساسية لتنشيط عملية السياحة فى مصر.. تعد السياحة شريانًا حيويًا للاقتصاد المصرى، ومصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة وفرص العمل، ومفتاحًا للتواصل الحضارى والثقافى مع العالم.. تتمتع مصر بمقومات فريدة ومتنوعة تؤهلها لتكون الوجهة السياحية الأولى عالميًا، غير أن تنشيط هذا القطاع وجعله يزدهر باستمرار يتطلب إستراتيجيات متكاملة وعملاً دءوبًا على عدة محاور.
أولاً: المقومات الطبيعية والبشرية الجاذبة، حيث تمتلك مصر أساسًا صلبًا من مقومات الجذب السياحى التى تنقسم بشكل رئيسى إلى عدة مقومات.. ويمنح موقع مصر الإستراتيجى قلبًا للعالم وجسرًا بين القارات، بينما يوفر مناخها الدافئ المشمس على مدار العام ميزة تنافسية كبيرة، خاصة لسياحة الشواطئ والاستجمام.
وتمتد سواحل مصر على البحرين الأبيض والأحمر، حيث تتميز شواطئ البحر الأحمر «شرم الشيخ، الغردقة» بالشعاب المرجانية الخلابة وأنشطة الغوص العالمية، فيما توفر شواطئ المتوسط رمالاً ناعمة.. بالإضافة إلى ذلك، تحتضن مصر العديد من المحميات الطبيعية «مثل محمية رأس محمد، وادى الريان» التى تجذب سياحة السفارى والسياحة البيئية. ويمثل نهر النيل شريان الحياة والجذب، حيث توفر الرحلات النيلية تجربة ثقافية وتاريخية فريدة تربط السائح بالآثار القديمة على ضفتيه.
وتضم مصر ثلث آثار العالم تقريبًا، من أهرامات الجيزة ومعابد الأقصر وأسوان «الكرنك والأقصر وأبوسمبل» إلى المتاحف الكبرى مثل المتحف المصرى الكبير «المتوقع أن يكون قاطرة جذب عالمية»، مما يجعلها قبلة للسياحة الثقافية والتاريخية. ولا تقتصر السياحة على الآثار والشواطئ فحسب، بل تمتد لتشمل السياحة الدينية «الأماكن الإسلامية والمسيحية ومسار العائلة المقدسة»، والسياحة العلاجية «العيون الكبريتية والرمال الساخنة»، وسياحة المؤتمرات والمهرجانات. ويشتهر الشعب المصرى بحسن الضيافة والترحيب، وهو عامل مهم فى إثراء تجربة السائح.
ولا يكفى وجود المقومات، بل يجب العمل على تنميتها وتوظيفها من خلال إستراتيجية شاملة تركز على عدة محاور.. وهى تطوير البنية التحتية والخدمات، وتحديث المرافق الفندقية والسياحية.. كما يجب العمل على رفع جودة المنشآت الفندقية والخدمات المقدمة لتتوافق مع المعايير العالمية، وتطوير البنية التحتية للمناطق السياحية الجديدة والناشئة.. إضافة إلى تحسين شبكات النقل والمواصلات، وربط المناطق السياحية ببعضها وبالمطارات الدولية بشبكات طرق سريعة وعصرية، وتعزيز كفاءة المطارات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السياح.. ولا يمكن إغفال تبسيط إجراءات الدخول والخروج، وتوفير خدمات سياحية إلكترونية متطورة «حجز، معلومات، تطبيقات».. وكذلك الترويج والتسويق الفعال، والاعتماد على أسواق جديدة بدلاً من الاقتصار على الأسواق التقليدية، من خلال حملات تسويقية تستهدف أوروبا الشرقية، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى السوق العربى.
ولابد من استخدام منصات التواصل الاجتماعى والإعلام الرقمى والتسويق بالمحتوى لإبراز تنوع المنتج السياحى المصرى «ثقافى، شاطئى، بيئى، مغامرات».. وكذلك الحضور الفاعل والمؤثر فى المعارض والمحافل السياحية العالمية.. ويعد الاستقرار الأمنى عاملاً حاسمًا فى اختيار السائح لوجهته، لذا يجب الاستمرار فى تأمين المواقع السياحية والمسارات الحيوية، ونشر ثقافة التعامل الإيجابى مع السائحين بين جميع فئات المجتمع، خاصة العاملين فى القطاع السياحى والخدمى.. ومن المقومات المهمة ضرورة تقديم حوافز وتسهيلات للقطاع الخاص لتحمل عبء الاستثمار فى تطوير المشاريع السياحية الجديدة وتنمية المناطق الواعدة.. وكذلك تطوير برامج تدريب مهنية للعاملين فى القطاع لرفع مستوى الخدمات المقدمة.. إن تنشيط السياحة فى مصر ليس مجرد قرار، بل هو مشروع قومى يرتكز على إرث حضارى عظيم ومقومات طبيعية لا مثيل لها. والنجاح فى هذا المشروع يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع بأكمله، والعمل وفق رؤية إستراتيجية واضحة ومستدامة.. وذلك من خلال الاستثمار فى البنية التحتية، وتنويع المنتج السياحى، وتعزيز الأمن، واعتماد أساليب الترويج الحديثة.. ويمكن لمصر أن تضمن عودة قوية ومستمرة لقطاعها السياحى، ليصبح قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
وللحديث بقية









