بعد أيام طويلة حافلة بالعروض السينمائية والورش الحوارية والنقاشات المفتوحة حول مشاريع الأفلام من خلال منصة «سينى جونة»، يختتم اليوم مهرجان الجونة السينمائى فى دورته الثامنة فعالياته بحفل توزيع الجوائز وسط حضور لافت من نجوم الفن وصناع السينما من مختلف أنحاء العالم.
وشهد المهرجان إقبالاً واسعًا على معرض خاص لتكريم السينمائى الكبير يوسف شاهين، تم تصميمه بطريقة مبتكرة على شكل قطار مستوحى من فيلمه الشهير «باب الحديد». يحتوى القطار على شاشة عرض تُعرض كل ربع ساعة لقطات مختارة من أفلام شاهين الخالدة، مما أتاح للزوار تجربة فنية فريدة تجمع بين السينما والفن البصري، وجذبت عشاق السينما ومحبى شاهين من مختلف الأعمار، لتكون نقطة جذب رئيسية ضمن فعاليات المهرجان.
إلى جانب ذلك، استقطب متحف النجمة يسرا اهتمامًا كبيرًا، حيث قدم تجربة تفاعلية تعرض أهم المحطات الفنية والشخصية للنجمة يسرا، مما أضاف بعدًا ثقافيًا غنيًا للمهرجان وزاد من تفاعل الجمهور معه.
شهدت الدورة هذا العام عروضًا لأفلام عالمية شاركت سابقًا فى مهرجانات كبرى مثل برلين وكان وفينيسيا، حيث نالت بعضها جوائز كبرى وأضفت قيمة فنية عالية على المهرجان.
ويعتبر الفيلم الكولومبى «شاعر» للمخرج سيمون ميسا سوتو من أبرز أفلام المهرجان، حيث عُرض فى مهرجان كان السينمائى الدولى الأخير ضمن قسم «نظرة ما»، وحصد جائزة لجنة التحكيم. يقدم الفيلم حكاية رمزية ساخرة عن شاعر يحاول التمسك بحلمه الإبداعى فى عالم لا يمنح للفن مكانة، متنقلاً بين العبث والجدية، السخرية والمرارة.
يمزج الفيلم ببراعة بين الفكاهة والمأساة ليقدم صورة صادقة عن معاناة الإنسان فى تحقيق أبسط متطلبات الحياة رغم حلمه المستمر. وقد حصد الفيلم جوائز عالمية عدة فى مهرجانات مثل سان سبستيان وميونخ وملبورن.
وينافس «شاعر» ضمن المسابقة الرسمية، ويحظى بتوقعات كبيرة للفوز بجوائز مهمة منها نجمة الجونة الذهبية، وأفضل فيلم روائي، وأفضل ممثل لأوبايمرريوس عن أدائه المتميز.
«الحياة بعد سهام»: رحلة وثائقية
أما الفيلم الوثائقى المصرى «الحياة بعد سهام» للمخرج نمير عبد المسيح يناقش سؤالاً محوريًا: كيف نعيش بعد رحيل من نحب؟ بعد وفاة والدته سهام، يبدأ المخرج رحلة شخصية عميقة فى تاريخ عائلته الممتد بين مصر وفرنسا، محاولاً فهم جذوره وهويته.
يمزج الفيلم بين الواقع والخيال، ويقدم تحية خاصة لسينما يوسف شاهين عبر دمج لقطات من أفلامه ضمن السرد الشخصى المؤثر. استغرق تصوير الفيلم سنوات طويلة، وخضع لعمليات مونتاج وإعادة مونتاج عدة، ليكون عملاً فنيًا حميميًا يذيب الخطوط بين الحياة والسينما.
عرض الفيلم لأول مرة فى قسم ACID بمهرجان كان، وشارك فى مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بمهرجان الجونة، كما عُرض فى مهرجان IDFA بهولندا. حصل على جائزة العين الذهبية فى مهرجان زيورخ، ويتوقع أن يفوز الليلة بجائزة أفضل فيلم وثائقى ونجمة الجونة الذهبية.
«ولنا فى الخيال… حب؟»:
أما فيلم «ولنا فى الخيال… حب؟» للمخرجة سارة رزيق حظى بإعجاب كبير فى مهرجان الجونة، وهو أول فيلم روائى طويل لها وأول بطولة لشقيقها الممثل عمر رزيق يجمع الفيلم بين التشويق والرومانسية والكوميديا، لكنه يتجاوز ذلك ليطرح صراع الإنسان بين العقل والقلب عبر قصة أستاذ جامعى انطوائى يرفض العلاقات العاطفية لكنه يجد نفسه فى علاقة معقدة ومتناقضة.
تم تصوير الفيلم فى مواقع حقيقية مثل أكاديمية الفنون ودار الأوبرا المصرية، مع توظيف متميز للصورة والموسيقى كعناصر أساسية فى السرد، مما جعل الفيلم تجربة وجدانية غنية. تميز أداء أحمد صلاح السعدني، وخاصة فى مشهد مؤثر أظهر فيه انهياره بالبكاء، وأُشيد به كأحد أبرز المرشحين لجائزة أفضل ممثل.
يطرح الفيلم نقاشًا حول طبيعة العلاقات الإنسانية المعاصرة وتوازن الطموح والالتزام الاجتماعي، وهو من أبرز المرشحين لجائزة أفضل فيلم عربى وجائزة أفضل تمثيل.
ومن الافلام التى لاقت استحسانا كبيرا لكنها خارج المنافسة لانه يعرض ضمن القسم الرسمى خارج المسابقة والعروض الخاصة الفيلم المصرى «السادة الافاضل» الذى حظى على حضور كبير جدا لم نشاهده من قبل وازدحم الجمهور خارج القاعة وكثيرون لم يجدوا أماكن للجلوس والمشاهدة، حتى ان مخرج الفيلم كريم الشناوى بعد تقديمه لفريق العمل على المسرح وهو فريق كبير جدا، اقترح ان يتركوا جميعهم أماكنهم للجمهور حتى يتسنى للجميع المشاهدة حتى انه وعد بعرض ثان وفرصة اخرى لمشاهدة الفيلم المنتظر عرضه فى ٣٠ اكتوبر فى جميع دور العرض المصرية.
تدور أحداث الفيلم فى إحدى القرى المصرية، حيث يفتح موت الأب «جلال» أبواب الأسرار أمام عائلته، وعلى رأسهم ابناه «طارق» و»حجازي»، ليكتشفا أن الأب الراحل لم يكن الرجل البسيط الذى عرفاه، بل كان متورطًا فى شبكة معقدة لتجارة الآثار، ما يضع العائلة بأكملها فى مواجهة مصيرية مع ماضٍ لم يكن فى الحسبان.
القصة التى كتبها الثلاثى مصطفى صقر، محمد عز الدين، وعبدالرحمن جاويش، تحمل مزيجًا من الكوميديا والدراما العائلية، وتطرح تساؤلات حول مفهوم المسئولية، والموروث الأخلاقي، وحدود المعرفة داخل الأسرة الواحدة.
الفيلم من إخراج كريم الشناوي، الذى يثبت مجددًا قدرته على إدارة فريق عمل كبير وتقديم عمل متماسك من الناحية الفنية والبصرية، رغم تعدد الخطوط الدرامية وتشعب الشخصيات.
يضم العمل مجموعة كبيرة من النجوم، أبرزهم:
محمد ممدوح، بيومى فؤاد، طه دسوقي، محمد شاهين، أشرف عبدالباقي، انتصار، ناهد السباعي، هنادى مهنا، ميشيل ميلاد، دنيا ماهر، وآخرون، حيث تم توظيف كل ممثل بشكل متوازن، حتى الشخصيات الثانوية بدت مؤثرة فى السياق العام.
رغم تصنيفه كفيلم كوميدي، إلا أن «السادة الأفاضل» لا يعتمد على الإفيهات الجاهزة، بل يقدّم كوميديا الموقف التى تتولد من تفاعلات الشخصيات مع الأحداث.
الحوار جاء خفيفًا وسلسًا، وانعكس على تفاعل الجمهور طوال العرض، حيث امتلأت القاعة بالضحكات مع كل مشهد تقريبا.
الفيلم، الذى تجاوزت مدته الساعتين، يعانى فى بعض أجزائه من إطالة غير مبررة نتيجة لتعدد الخطوط الدرامية وتشعب التفاصيل، وهو ما أضعف إيقاعه فى المنتصف.
ومع ذلك، فإن قوة السيناريو، وروح العمل، وبراعة الإخراج نجحت فى إبقاء الجمهور متفاعلاً حتى المشهد الأخير.
أثبت كريم الشناوي، فى هذا العمل، أن الرؤية الإخراجية الواعية تصنع الفرق. فقد تمكن من إضفاء بصمة كوميدية خاصة، واهتم بتفاصيل الأداء التمثيلى لكل فنان، ما جعل من الفيلم عملاً جماعيًا لا تهيمن عليه البطولة المطلقة، بل تتشارك فيه جميع الشخصيات فى خلق الحالة الكاملة.
«السادة الأفاضل» ليس مجرد فيلم كوميدى تقليدي، بل هو تجربة سينمائية تمزج بين الضحك والتأمل، وتطرح أسئلة صعبة بجرعة من السخرية الذكية، مدعومة بأداء جماعى قوي، وحرفية إخراجية عالية.
فيلم يُحسب لصنّاعه، وقد يكون محطة مهمة فى مسيرة عدد من أبطاله، وبداية لمرحلة جديدة فى الكوميديا المصرية.









