كان مجرد طفل فى الثالثة عشرة من عمره يضحك أحياناً بصوت عال وهو يلعب على هاتفه ويجلس صامتاً أحياناً أخرى أمام مقاطع فيديو لا نعرف محتواها وجهه البرىء لم يكن يوحى أبداً بأنه سيحمل منشاراً كهربائياً ولا أن يكتب اسمه يوماً فى سجل الجرائم.
لكن ما حدث فى الإسماعيلية تجاوز الخيال طفل يقتل صديقه ويقطع جسده- بدم بارد- مستلهماً مشهده من لعبة وفيلم شاهدهما لعله لم يخطط لم يكره لم يدرك حتى أنه يقتل فقط تاه بين واقع يهرب منه وخيال افتراضى غلب عليه حتى صار هو الحقيقة.. فأصبح قاتلاً وصديقه مقتولاً غدرا.
العالم الافتراضى لم يعد مساحة للعب بل أصبح مصنعا صامتاً للعنف ألعاب تمنح النقاط كلما قتل اللاعب أكثر وتكافئ من يبدع فى التخطيط لجريمة أبشع حتى صارت الدماء مشهداً عادياً فى عقول الصغار.
تشير الإحصاءات إلى أن 77 ٪ من أولياء الأمور يدركون أن أطفالهم يلعبون ألعاباً لا تناسب أعمارهم بينما كشفت دراسة بالقاهرة أن 346 ٪ من الأطفال يقضون ساعتين يومياً على ألعاب عنيفة.
وفى دراسة بالإسكندرية شملت 783 مراهقاً 11 – 19 سنة تبيّن أن 269 ٪ منهم فى خطر عال و202 ٪ فى خطر مرتفع جداً بسبب العنف الأسرى وغياب المتابعة والعيش فى مناطق مهمشة.
نحن لم ننتبه رغم أن الإنذار جاء من قبل فى عام 2018 بالإسكندرية قتل طالب عمره 16 عاماً معلمته بعد أن تقمص شخصية من لعبة PUBG وبعدها توالت التحذيرات طفل يموت إثر لعبة المكثف وأخرى تغرى أماً بتصوير قتل طفلها لتعرضه على الدارك ويب مقابل المال.
المأساة واحدة تتغير الأسماء وتبقى النتيجة جيل يفقد الإحساس بمعنى الحياة والموت.
أطفالنا لم يعودوا يجدون من يحتضنهم ففقدوا خط دفاعهم الأول الأسر , تركناهم أمام الشاشات بالساعات لأننا مرهقون أو مشغولون فصنعنا بداخلهم وحشاً رقمياً ينمو بصمت قلنا لأنفسنا اتركه يلعب ليرتاح البيت ولم ندرك أننا نسلمهم لأيد خفية تبرمج عقولهم وتعيد تشكيل وعيهم.
مراقبة المحتوى ليست تحكماً بل حب وخوف وواجب تربوى على الآباء أن يسألوا ماذا يشاهد طفلى ماذا يتعلم من هذه اللعبة ومن يحدثه عبر الإنترنت.
يجب أن تشمل مناهج التعليم دروس عن الاستخدام الآمن للتكنولوجيا وأن يرسخ الإعلام قيم الرحمة والوعى بدلاً من تمجيــد العنف وعلى الدولة أن تضــع سياسات تمنع انتشار المحتوى الخطر وتطلق حملات تحمى أطفالنا قبل أن تضبطهم متلبسين بجريمة لا يفهمونها.
جريمة الإسماعيلية ليست مجرد حادثة بل صرخة فى وجه مجتمع نام طويلاً طفل قتل وصديق قتل وأسرتان تدمران ومجتمع يضع رأسه فى الرمل.
التكنولوجيا ليســت شراً فى ذاتها لكنها تصـبح وحشاً عندما نتركها تربى أبناءنا بدلاً من بناء جيل واع لا يبدأ من شاشة بل من حضن من حوار من أب يصغى وأم تتابع.
إن لم نستيقظ اليوم فقد نصحو غداً على مأساة أخرى يكون فيها أطفالنا ضحايا أو جناة.









