كثير مما نراه فى الموالد لا علاقة له بالتصوف، ولا بالتدين، ولا بالزهد فى الدنيا وهو نهج كثير من المتصوفة.. بل هو سلوك دروشة تعودنا على رؤيته ونتمنى أن يواجهه علماء الأزهر بحكمتهم وبصيرتهم وحرصهم على وضع خطوط فاصلة بين السلوك الدينى الصحيح، وبين الدروشة التى لا تخلو من سلوكيات عبثية.
التصوف الحقيقى أسمى وأرقى مما نراه فى سلوكيات كثير من رواد الموالد الذين توارثوا سلوكيات لا علاقة لها بتعاليم وآداب الدين.. فالتصوف الذى هو «تزكية النفس والارتقاء بها ومجاهدة كل نوازع الشر فيها ليصل الإنسان بهذه المجاهدة النفسية إلى مرتبة الإحسان» فالتصوف الحق إنسان ملتزم سلوكياً وأخلاقياً يعبد خالقه كأنه يراه، ويراقب الله فى كل أعماله وأفعاله وأقواله فلا يصدر منه قولاً أو عملاًَ يغضب الله «عز وجل».
يجب أن نعترف بأن المفهوم الراقى للتصوف ليس هو الشائع بين كثير من أتباع الطرق الصوفية، أو أدعياء التصوف فى بلادنا، حيث يخلط هؤلاء بين الحقيقة والخرافة، ويؤمن بعض هؤلاء بأفكار تتنافى مع عقيدة التوحيد، ويلجأون إلى بعض المخلوقين كلجؤهم إلى الخالق، ويقدسون أشخاصاً يخطئون أكثر ما يصيبون، ويعتقدون أن الإسلام دروشة وتواكل وطقوس أكثر منه علماً وفكراً ومنهجاً لاستقامة الحياة.. وكل هذا يتنافى مع تعاليم الدين كما أنه يتنافى مع معنى التصوف الصحيح الذى يعتمد فى جوهرة على تزكية النفس، والتقرب إلى الله بالذكر والعمل الصالح، وأنه منهج روحى عميق يقوم على الزهد والورع والتأمل فى معانى الحياة والوجود.
لذلك فإن مفهوم التصوف فى أمس الحاجة إلى تنقية وتطهير من كل الشوائب التى تلتصق به وتنحرف بسلوك كثير من أتباعه إلى طريق الانحراف الفكرى والسلوكى، إنقاذاً لمعنى التصوف الراقى أولاً.. وحماية لعقول الجماهير المصرية من خرافات ودجل بعض الصوفية الذين انحرفوا فكرياً وسلوكياً عن طريق الإسلام الصحيح وأصبح خطرهم على العقل المسلم أكثر من خطر المتطرفين.
>>>
نعم.. التصوف الحقيقى لا علاقة له بما يروجه البعض من مظاهر وسلوكيات خاطئة وأفكار فاسدة تتنافى مع تعاليم الإسلام.. لذلك فإن مثل هذه السلوكيات لا ينبغى تركها لتنتشر بين عامة الناس.
الإسلام الذى نؤمن به دين لا يقبل تواكل وسلبية بعض أتباع الطرق الصوفية.. ديننا يأمر الإنسان بأن يعمل ويكافح ويجتهد لتحقيق طموحاته، وأن يلجأ إلى الله وحده يطلب منه العون والمدد، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتواكل ويعتمد على عون أو دعم شخص مثله لا يملك له نفعا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
>>>
التصوف- كما يؤكد أحد أقطابه العقلاء- ليس لباساً معيناً أو طقوساً سطحية، بل هو تربية أخلاقية وروحية تهدف إلى الوصول إلى الإخلاص لله فى كل شىء، والعلاقة بين الشيخ والمريد فى التصوف هى علاقة تعليم وتوجيه نحو السـلوك الحسـن، وليست علاقـة خضــوع أو تبعية عمياء كما يظن البعض.
إذا كان هناك دخلاء على التصوف أو جهلاء بحقيقته يحاولون تشويه صورته من خلال تصرفات وسلوكيات لا تمت بصلة للتصوف الأصيل، فيجب مواجهة هؤلاء وكشف ضلالهم حتى لا يحدث الخلط لدى الجمهور ويؤدى إلى فهم مغلوط لهذا المنهج الروحى.
عقلاء الطرق الصوفية يجب أن يعملوا على عودة جوهر التصوف الحقيقى الذى يركز على تهذيب النفس والقرب من الله، بعيداً عن أى ممارسات خاطئة أو مغالطات.
التصوف النقى يسعى إلى غرس معنى الإحسان فى النفوس وهو سمة المسلم فى تعامله مع الله ومع خلقه، فالصوفى لا يكتفى بأداء العبادات، بل يسعى إلى أن يعكس النور الإلهى فى أخلاقه وتصرفاته اليومية، سواء فى العبادة أو التعامل مع الآخرين، الإحسان هنا يعنى أن ترتقى بأفعالك وأقوالك، وتكون نموذجاً للتواضع، والإخلاص، والمحبة، محققاً بذلك الانسجام بين الظاهر والباطن فى حياتك الروحية.
>>>
لقد سبق وأكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن المنهج الصوفى الصحيح قادر على مواجهة التحديات التى تحيط بالأمة الإسلامية، وأن المجتمعات الإسلامية باتت فى حاجة ماسة إلى كل ما يعيد إليها منظومة القيم الأخلاقية وتقويم السلوكيات الفاضلة بمختلف المجتمعات والثقافات. فأهل التصوف الصحيح قادرون على إعادة منظومة القيم الأخلاقية إلى المجتمعات فى ظل حالة الانفلات الأخلاقى التى يشهدها المجتمع الإسلامى.
لكن.. كيف يتحقق ذلك والسلوكيات الخاطئة لا تزال تسيطر على قطاع كبير من المتصوفة؟ كيف نوظف التصوف لنشر منظومة القيم الأخلاقية وقطاع كبير من الممارسين للتصوف يجهلون المنهج الإسلامى الصحيح وهو منهج يقوم على العلم والفكر والمنطق الصحيح؟.
إذا كان إصلاح الطرق الصوفية فى العالم الإسلامى يبدأ من الأزهر الشريف- كما قال الإمام الطيب خلال لقائه رموزاً من الطرق الصوفية- شاركوا فى أعمال المؤتمر الدولى للتصوف- فماذا قدم الأزهر من جهود لتطهير فكر ومنهج الطرق الصوفية من الممارسات الخاطئة والسلوكيات المخالفة لتعاليم الإسلام؟
ننتظر من أهل التصوف الاهتمام بنشر الثقافة العلمية والروحية الصحيحة بين الأتباع والمريدين وفق المنهج الصوفى الصحيح.









