مرونة العقل تعنى القدرة على التكيف مع التغيرات والضغوط النفسية الناجمة عن الصدمات، سواء كانت تلك الصدمات عاطفية «اجتماعية» أو مهنية.
وهى عملية ديناميكية تتيح للفرد ليس فقط البقاء على قيد الحياة فى الظروف الصعبة، بل النمو والتطور وتُعتبر مرونة العقل عاملاً حاسماً فى تحقيق الصحة النفسية؛ إذ إن الأشخاص الذين يتمتعون بمرونة عالية يكونون أكثر قدرة على استعادة توازنهم بعد التعرض للأزمات، ويتمكنون من تحويل التجارب السلبية إلى دروس بناءة تسهم فى تطوير شخصياتهم وإثراء رؤيتهم للحياة وتلعب العوامل البيولوجية دورا هاما فى تحديد مدى مرونة العقل، حيث تؤثر العمليات الكيميائية والهرمونية فى الدماغ على استجابة الفرد للصدمات. كما يعمل أسلوب المواجهة النشط على حث الشخص على اتخاذ خطوات عملية للتعامل مع المشكلات، مما يمنحه شعوراً بالسيطرة والتمكن. إن القدرة على مواجهة الحقيقة بمرونة ومثابرة بالإضافة إلى الإيمان بقدرة الذات تعتبر من عوامل المرونة النفسية الأساسية التى تُمكن الفرد من تجاوز ظروف الضغط ومواجهة الأزمات. ولا شك أن الدعم الاجتماعى من أبرز العوامل التى تُساهم فى تعزيز مرونة العقل. فالوجود ضمن شبكة من الأصدقاء والعائلة يقدم للفرد مصادر مهمة للتشجيع والاستماع والتوجيه.
قد يُساهم التعرض لمواقف متنوعة، سواء كانت إيجابية أم سلبية، فى تعزيز مرونة العقل. فالتجارب السابقة تُشكّل قاعدة معرفية تساعد الفرد على توقع المشكلات المحتملة ووضع خطط لمواجهتها بطريقة منهجية.
من الضرورى أن يقوم الفرد بتحديد مسببات الضغوط فى حياته وتقييم تأثيرها عليه. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال كتابة مذكرات يومية تُسجل فيها المشاعر والأفكار، ما يساعد فى ترتيب الأولويات وايجاد استراتيجيات عملية للتعامل مع المواقف الصعبة . إن الإيمان بأن لكل تجربة، مهما كانت مريرة، جانباً إيجابياً يستحق الاستكشاف هو حجر زاوية فى بناء المرونة النفسية. وتتطلب هذه النظرة تدريبا مستمرا لتغيير الأفكار السلبية واستبدالها بتصورات أكثر تفاؤلا تُحفّز على اتخاذ خطوات عملية نحو التغيير.. وتلعب الأنشطة الجماعية دورها، اما فى تعزيز شعور الفرد بالانتماء، مما يقلل من الإحساس بالوحدة والعزلة فى مواجهة التحديات. تظل مرونة العقل أمام الصدمات من أبرز القدرات التى تُميز الإنسان عن سائر الكائنات الحية. ففى عالم يتغير بوتيرة متسارعة وتزداد فيه التعقيدات النفسية، يصبح التأقلم مع الظروف الصعبة ضرورة حتمية للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية. إن تعزيز مرونة العقل يتطلب استثمارا فى الذات، سواء من خلال بناء شبكة دعم متينة، أو ممارسة التأمل، أو تبنى نظرة إيجابية تُحول الخبرات السلبية إلى دروس ملهمة. ففى كل تحدٍ، وفى كل صدمة، يكمن جوهر التجديد والنمو، وبفضل مرونة العقل يستطيع الإنسان أن يحول الألم إلى حافز للنهوض، والفشل إلى بداية جديدة.
وختاما فإن مرونة العقل أمام الصدمات وفى مواجهة الازمات ليست مجرد مهارة للبقاء، بل هى أسلوب حياة يشحذ فينا روح التحدى والعزيمة على تجاوز كل ما يقف فى وجه سعينا نحو الذات الكاملة، حيث يستمر الإنسان فى النمو والتجدد، متعلم من كل تجربة، ورافضا للاستسلام مهما اشتدت الظروف مستلهما الحكمة فى التعامل بعقل راجح وفكر متطور .
حفظ الله مصر.. وحما شعبها العظيم وقائدها الحكيم









