نحن أمام تحوّل جذري في بنية الاقتصاد العالمي، حيث باتت البرمجة التفاعلية» الذكاء الاصطناعي»، المحرك الأهم للنمو في قطاعات الإنتاج والخدمات كافة فمن الشركات الصناعية إلي المصارف وشركات التكنولوجيا الحيوية، تتسارع وتيرة اعتماد الخوارزميات الذكية في اتخاذ القرار وتحليل السوق وابتكار المنتجات.
وما يجري ليس تحديثًا تقنيًا فحسب، بل ولادة اقتصاد جديد تُقاس فيه الكفاءة بالقدرة علي استثمار البيانات وتطويعها إذ يقدر أن تضيف البرمجة التفاعلية تريليونات الدولارات إلي الناتج العالمي خلال العقد المقبل.
وفي الحقيقة فإن هذه الطفرة الإنتاجية تمثل فرصة تاريخية لرفع معدلات النمو وتوسيع أسواق العمل عالية المهارة، غير أن الصورة الوردية تخفي وراءها تحديات مركبة؛ فكما تخلق البرمجة التفاعلية قيمة جديدة، تهدد في الوقت نفسه بتغيير قواعد اللعبة التي بُنيت عليها الأسواق لعقود، والمخاطر لا تقتصر علي تسريح العمالة التقليدية، بل تمتد إلي ما يمكن تسميته عدم توازن العوائد.
واقصد في ذلك أن الشركات الكبري التي تمتلك البيانات والمنصات الضخمة تحتكر الجزء الأكبر من المكاسب، فيما تجد المؤسسات الصغيرة والدول النامية نفسها علي هامش الثورة بحيث أن هذا التركّز في الثروة والمعرفة قد يعيد إنتاج فجوة عالمية جديدة، لا تقوم علي الموارد الطبيعية كما في الماضي، بل علي امتلاك القدرة الحاسوبية والخبرة البرمجية.
يضاف إلي ذلك خطر الفقاعات الاستثمارية فالتدفق الهائل لرءوس الأموال نحو مشاريع البرمجة التفاعلية، دون تقييم واقعي للعائدات، قد يخلق تضخمًا في القيم السوقية شبيهًا بما حدث في فقاعة الإنترنت مطلع الألفية.
كذلك ومع غياب الأطر التنظيمية الواضحة، تصبح الأسواق عرضة لتقلبات حادة بين الحماس المفرط والانكماش المفاجئ، فالبرمجة التفاعلية ليست مجرّد ثورة تقنية، بل تحول هيكلي في الاقتصاد العالمي وإذا لم نقم حكومات ومؤسسات بوضع سياسات استباقية تُوازن بين الابتكار والاستدامة، فإن مكاسب النمو قد تتحول إلي مخاطر نظامية تهدد استقرار الأسواق نفسها، فكما أن البرمجة التفاعلية تعدُ بعصر ازدهار جديد، فإنها أيضًا تفرض علي صانعي القرار أن يتعلموا فنّ إدارة السرعة قبل أن تُديرهم.









