على مدى الأيام الماضية لم تتوقف الجهود المصرية من أجل تثبيت اتفاق شرم الشيخ وتأكيد وقف الحرب القضية عند القيادة المصرية لم تنته عند توقيع الاتفاق في اليوم التاريخي بشرم الشيخ.
فمصر ليست دولة اللقطة والشو السياسي، مصر دولة مبادئ تسعى دائما إلى الإنجاز الحقيقي على الأرض واتفاق شرم الشيخ هدفه النهائي والمستهدف بالنسبة المصر هو السلام الذي يبدأ بالوقف التام للحرب وحقن الدماء الفلسطينية والبدء في المرحلة الثانية والعودة الكاملة للفلسطينيين إلى ديارهم وإدخال المساعدات بكميات تكفى احتياجات أهل غزة.
هذا ما تسعى إليه مصر وتسخر له كل الجهود وزيارة السيد اللواء حسن رشاد رئيس المخابرات الإسرائيل أول أمس كانت من أجل هذا الهدف المصرى التأكيد على إسكات أصوات القذائف والرصاص وسيادة لغة التفاوض والسلام من أجل مرحلة جديدة للمنطقة بالكامل، رئيس جهاز المخابرات التقى العديد من المسئولين الإسرائيليين ونتنياهو وكذلك ويتكوف بحثا عن تثبيت وقف الحرب وتحقيق التهدئة.
زيارة مهمة في توقيت دقيق، ورئيس المخابرات بخبرته ومهارة فريقه المحترف يعلم تماما كل التفاصيل ويعرف كيف ينقذ الوضع قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة. وكيف يصل إلى المحافظة على الهدوء وإغلاق كل الثغرات التي يحاول البعض فتحها وإشعال النار مجددا من خلالها، وكل المؤشرات تؤكد أن الزيارة ناجحة وحققت أهدافها.
معلوم بالطبع أن الوضع في غزة ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فبعد عامين من الحرب الشرسة والتصعيد المبالغ فيه لن يكون ايقاف الحرب قرارا سهلا خاصة وأن الخلافات كبيرة والدماء التي سالت كثيرة والجراح لاتزال تنزف كما أن الصراعات داخل إسرائيل ايضا ضخمة المتطرفون ينفخون في كير الحرب ويحاصرون نتنياهو ويضغطون على جيش الاحتلال، بل إن نتنياهو نفسه أكثر ميلا للحرب لإيمانه بأنها سبيل الإنقاذ له ناهيك عن الضغوط الخارجية وعمليات التحريض التي يمكن أن تمارسها أطراف لا تريد للحرب أن تنتهى لأنها مستفيدة منها.
ولذلك فالأمر صعب واستمرار إيقاف الحرب ما زال يحتاج جهدا مضاعفا وحوارات مستمرة وصبرا وإصرارا من كل الأطراف، ومصر بخبراتها الطويلة تدرك كل هذا وتعلم أن التنفيذ دائما هو الأصعب من الاتفاق، وأن الوصول إلى الهدف هو خطوة لابد أن تتلوها خطوات للحفاظ عليه، والحفاظ على وقف الحرب ليس بالوعود ولا التعهدات وإنما بالالتزام على أرض الواقع وهذا ما تسعى إليه مصر تتحرك بمسئولية وفهم لكل ما يجرى وتحاول إطفاء أى نيران يمكن أن تشتعل من أي اتجاه.
وتجاوز أى خروقات قد تقع من الطرفين هناك تنسيق وتواصل مستمران مع الولايات المتحدة التي تصر هي الأخرى على إنجاح مبادرة ترامب ووصولها إلى خط النهاية.
وهذا وضح من الضغوط الأمريكية التي مارستها ادارة البيت الأبيض على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بالاتفاق.
الخلاصة أن هناك إصرارا مصريا وأمريكيا على أن يصمد اتفاق شرم الشيخ ضد كل التحديات وأن يكون بالفعل نهاية حقيقية للحرب لكن هناك أيضا تفهم لاحتياج هذا المواصلة الجهود ربما بشكل أكبر مما كان يحدث لتوقيع الاتفاق نفسه.
وهنا لابد أن نتوقف عند نقاط مهمة تكشف خبرة ومهارة ودهاء القيادة المصرية.
- النقطة الأولى: الرهان على الرئيس الأمريكي ترامب باعتباره القادر على إيقاف الحرب وهذا ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يتحقق الآن فالإدارة الأمريكية هي الحريصة الآن قبل أي وقت مضى على نجاح الاتفاق وترفض اى خروج عليه من أي نوع.
- النقطة الثانية: الحرص المصرى على أن يشارك أكبر عدد من قادة العالم في حضور مؤتمر شرم الشيخ وتوقيع الاتفاق ليكون المجتمع الدولى شاهدا وشريكا في خطوات تثبيت الاتفاق ومواجهة أى خروج عنه من اي طرف.
- النقطة الثالثة: الفهم المصرى لطبيعة إسرائيل في المناورة والخداع ولذلك كان الحرص من البداية على الوضوح والحسم في كل نقاط الاتفاق دون ترك أي مساحة للمراوغة أو التأويل والتفسير المنحرف، وكان التأكيد على التزامات محددة لكل طرف وهذا هو ما أسهم بدوره الآن في تثبيت الاتفاق.