تحالف إستراتيجى لإنعاش الاقتصاد وتمويل التنمية
الصناعات التصديرية والطاقة.. البتروكيماويات والمنسوجات والمنتجات الزراعية أبرز مجالات التعاون
تُعد العلاقات الاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوروبى أحد أبرز محاور التعاون الإقليمى فى منطقة المتوسط، إذ يشكل الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى والاستثمارى الأهم لمصر، حيث يستحوذ على النصيب الأكبر من حجم التبادل التجارى والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقد تطورت هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة من مجرد تبادل تجارى إلى شراكة إستراتيجية شاملة تقوم على التنمية المستدامة، والتحول الأخضر، والتكامل الاقتصادى، فى ظل إدراك متبادل لأهمية التعاون فى مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية.
وتأتى مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال القمة المصرية- الأوروبية الأولى، المنعقدة بمقر المفوضية الأوروبية فى العاصمة البلجيكية بروكسل، كإعلان عن مرحلة جديدة من الشراكة المصرية الأوروبية، تستهدف تعميق التعاون السياسى والاقتصادى ودعم الاستقرار الإقليمى. وتُعد هذه القمة الأولى من نوعها على مستوى القادة بين الجانبين، بما يعكس الأهمية التى توليها كل من القاهرة وبروكسل لتعزيز العلاقات الإستراتيجية وتوسيع آفاق التعاون المشترك.
وخبراء الاقتصاد أكدوا أن الاتحاد الأوروبى يمثل الشريك التجارى والإستراتيجى الأول لمصر، وأن العلاقات بين الجانبين لم تتأثر بشكل جوهرى رغم التحديات التى واجهت قطاع الطاقة، وأن التعاون المصرى الأوروبى ما زال يشهد زخمًا متزايدًا، خاصة فى مجالات الصناعات التصديرية، والطاقة، والبتروكيماويات، والمنسوجات.
وأوضح الخبراء أن الاتحاد الأوروبى لا يُعد فقط سوقًا رئيسيًا للمنتجات المصرية، بل أيضًا مستثمرًا رئيسيًا يسهم فى دعم الاقتصاد المصرى من خلال تمويلات طويلة الأجل، ونقل الخبرات والتكنولوجيا، وتعزيز قدرات القطاعات الإنتاجية، مشيرين إلى أن مصر تمتلك فرصًا واسعة لجذب مزيد من الاستثمارات الأوروبية إذا ما تم تعزيز دور القطاع الخاص وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية.
قال الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، خبير الاقتصاد الدولى والوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، أن الاتحاد الأوروبى يظل الشريك التجارى والإستراتيجى الأهم لمصر، لافتاً إلى أن تراجع إنتاج الغاز الطبيعى فى مصر خلال الفترة الماضية أحدث فجوة محدودة فى حجم الإمدادات، إلا أن ذلك لم يعرقل استمرار التعاون المصرى الأوروبى فى مختلف المجالات.
وأضاف أن الأحداث الجارية فى المنطقة كان لها تأثير نسبى على العلاقات، لكنه لم يكن بالقدر الكبير، مشددًا على أن الاتحاد الأوروبى ما زال الشريك التجارى الأهم لمصر، وأن هناك فرصًا واعدة يمكن لمصر استثمارها لتعزيز شراكتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى، وعلى رأسها الصناعات التصديرية. فالاتحاد الأوروبى لا يحتاج فقط إلى المنتجات الزراعية، بل أيضًا إلى المنتجات الصناعية، خاصة المنسوجات والملابس الجاهزة، بالإضافة إلى تطور قطاع البتروكيماويات المصرى الذى يشهد تقدمًا ملحوظًا فى التصدير إلى الأسواق الأوروبية.
وأكد على أهمية التركيز على السلع الصناعية ذات القيمة المضافة العالية وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلى لزيادة قدرة الصادرات المصرية على المنافسة داخل السوق الأوروبية. وفيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأوروبية، أوضح أن إمكانية جذب المزيد من الاستثمارات الأوروبية إلى مصر قائمة وبقوة، خاصة فى ظل المفاوضات الخاصة بمبادلة الديون الأوروبية باستثمارات مباشرة داخل السوق المصرى.
وأوضح أن تشجيع الاستثمار المحلى يمثل المدخل الحقيقى لجذب الاستثمار الأجنبى، مشيراً أن المستثمر الأوروبى، خاصة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، تفضل العمل فى مناخ اقتصادى يعتمد على القطاع الخاص والمنافسة الكاملة بعيدًا عن التدخلات الحكومية المباشرة.
ولفت إلى أن هناك مجالات عديدة يمكن أن تكون جاذبة لرأس المال الأوروبى فى مصر، منها: الطاقة الجديدة والمتجددة، بشرط أن تكون هناك رؤية واضحة لربط هذه المشروعات بالأسواق الإفريقية من خلال الربط الكهربائى الإقليمى، وليس الاقتصار على التصدير لأوروبا فقط. تنمية السواحل المصرية وتطوير القطاع السياحى، وهو مجال يتمتع بمقومات كبيرة قادرة على جذب الاستثمارات الأوروبية. وأيضا الصناعات التحويلية، خاصة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، وهى من القطاعات التى تربط مصر والاتحاد الأوروبى باتفاقات تجارية متميزة. وأشار إلى أن تعزيز الميزة التنافسية لهذا القطاع يمكن أن يسهم فى جذب مزيد من رءوس الأموال الأوروبية وتحقيق أرباح للطرفين. القطاع الزراعى، الذى يمثل أحد المجالات المهمة للاستثمار المشترك، من خلال تطبيق التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة وزيادة إنتاجية الفدان، بما يضمن توفير السلع الغذائية التى تحتاجها أوروبا بانتظام.
وضرب مثالاً بـ»تصدير البطاطس المصرية»، التى تعد من السلع الزراعية التى يعتمد عليها السوق الأوروبى بدرجة كبيرة، مؤكدًا أن توقف صادرات البطاطس يؤثر على بعض الأنشطة داخل أوروبا. واقترح إمكانية إنشاء مزارع مصرية متخصصة لإنتاج المحاصيل المطلوبة أوروبيًا وفقًا للمواصفات الفنية والمواسم التى تتناسب مع احتياجات الأسواق الأوروبية.
أكد محمد رضا، الخبير الاقتصادى، أن ما تشهده العلاقات المصرية الأوروبية فى المرحلة الحالية يعكس ترسيخًا حقيقيًا لشراكة إستراتيجية تتجاوز الإطار التمويلى التقليدى، لتصبح شراكة تنموية شاملة تهدف إلى بناء القدرات وتحفيز التحول الاقتصادى المستدام فى مصر.
وأوضح أن الدعم الأوروبى لمصر ليس مجرد تمويل مالى بل تصويت بالثقة فى مستقبل الاقتصاد المصرى واستقراره، حيث تستهدف المشروعات الممولة قطاعات ذات أولوية إستراتيجية مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والتحول الرقمى والإصلاحات الاجتماعية.
وقال إن توقيع الشريحة الثانية من حزمة الدعم الأوروبى لمصر بقيمة 4 مليارات يورو خلال القمة المصرية الأوروبية فى بروكسل، ضمن برنامج تمويلى شامل يبلغ 7.4 مليار يورو، يعكس عمق الشراكة الإستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى، ويؤكد أن العلاقة بين الجانبين تتجاوز البعد التمويلى إلى بناء القدرات ودعم التحول الاقتصادى المستدام.
وأوضح أن هذه الحزمة تمثل استثمارًا طويل الأجل وثقة متبادلة فى الاقتصاد المصرى، مشيرًا إلى أنها تلزم الحكومة بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية، وضمان الشفافية، وتسريع وتيرة المشروعات بما يحقق نتائج ملموسة للمواطنين من خلال تحسين الخدمات وخلق فرص عمل وتعزيز العدالة الاجتماعية.
أكد الدكتور حسن الشقطى استاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة بجامعة أسوان أهمية أن تركز الدولة على استثمار العلاقات الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى، لما لها من مصالح مشتركة عديدة، لافتا إلى أن صادرات مصر الزراعية للاتحاد الأوروبى حققت فائضا ملحوظا حيث زادت عن وارداتها الزراعية من الاتحاد الأوروبى، مضيفا إلى أن مصر تعد ثالث أكبر دولة عمليات للبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية على مستوى العالم، خلال 2024.
وأشار إلى أن العديد من الدول الأوروبية سعت مؤخرا لترفيع العلاقات الإستراتيجية مع مصر، وتعزيز التعاون المشترك ، مثال ذلك ما سعت له بولندا، لتوطيد العلاقات، وانعقدت للمرة الاولى منذ 30 عاما الدورة الأولى للجنة المصــرية- البولنــدية، لتــعزيز التعــاون فى 16 مجالا على رأسها الاستثمار والأمن الغذائى، والتبادل التجارى، كذلك وقعت ألمانيا العديد من الاتفاقيات، ومنها انطلاق مشروع المركز المصري- الألمانى للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج، وتجرى حاليا فرنسا مباحثات ثنائية على المستوى الوزارى لتعزيز التعاون المشترك وبحث الفرص الاستثمارية، فى مجالات الطاقة المتجددة، والصناعات التكنولوجية، والبنية التحتية.
وأوضح أن مع استحداث منصب مفوض شئون المتوسط للاتحاد الأوروبى، سارعت «دوبرافكا سويتشا»، المفوضة الجديدة للاتحاد الأوروبى، بزيارة مصر ولقاء عدد من المسئولين والوزراء لمناقشة مستقبل العلاقات الاقتصادية.
وأضاف الشقطى أن الاقتصاد المصرى يتمتع بقدر عال من المرونة وأن عدد من القطاعات الاقتصادية أصبحت ذاتية النمو، (اى انها بدأت تجنى ثمار ما تم ضخه من استثمارات عامة دفعت بها الدولة) ، مثل قطاع البنية الإنشائية والمدن الجديدة والتى أصبحت الان مركز استقطاب للمستثمرين من خلال طرح فرص استثمارية للقطاع الخاص، لافتا إلى أن مصر من الدول الجاذبة للاستثمارات العالمية لما تتمتع به موقع إستراتيجى يجعلها منفذ السلع الأوروبية نحو الأسواق الخارجية.
أوضح الدكتور محمد راشد استاذ الاقتصاد أن ضمانات الاستثمار تهدف إلى تعزيز الاستثمارات الأوروبية وتمكين تدفقات الاستثمار الخاص نحو المشاريع الإستراتيجية فى مصر، فى مجالات الطاقة الجديدة، والصناعات التحويلية والبنية التحتية، خاصة ان وجود ضمانات للاستثمار يحفظ حقوق المستثمر والدولة ويخلق بيئة أعمال جاذبة، تدعم النمو وتوسع الصادرات، لافتا إلى الاتحاد الأوروبى يدفع بتمويلات ميسرة لتمكين القطاع الخاص، ووجود الضمانات المحفزة للاستثمار.
واوضح أن مرونة الاقتصاد وتحريك مجالاته للاتساع والعمق، خاصة أن الاقتصاد المصرى يتميز بالتنوع الكبير مشيرا إلى أن الاصلاحات الهيكلية التى اتبعتها الدولة ساهمت فى زيادة القدرة التنافسية وتحويل هيكل الاقتصاد نحو القطاعات الانتاجية القابلة للتداول من اجل زيادة معدلات التصدير.
الإحصاء : صادرات مصر للاتحاد الأوروبى ترتفع 11.1 ٪ فى 6 أشهر
كتبت: هبه الساوى :
أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع قيمة الصادرات المصرية لدول الاتحاد الأوروبى لتسجل 6.8مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2025 مقابل 6.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024 بنسبة ارتفاع قدرها 11.1 ٪ بينما بلغت قيمة الواردات المصرية 9.2 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2025 مقابل 10.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024 بنسبة انخفاض قدرها 9.5 ٪ مشيرا إلى انخفاض طفيف فى قيمة التبادل التجارى بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى لتصل إلى 16 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2025 مقابل 16.3مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024 بنسبة انخفاض قدرها 1.8 ٪.








