شاهدت وسمعت فى إحدى قنوات التواصل الاجتماعى فيديو يتكون من ثلاثة أجزاء، عن فكرة إنشاء دولة إسرائيل، والمتحدث الأمريكى البروفيسور جيفرى ساكس وهو يهودى الديانة وعمره 70 عاماً، وهو أستاذ جامعى ومدير مركز التنمية المستدامة فى جامعة كولومبيا بأمريكا، واختير ضمن قائمة مجلة تايم من أكثر 100 شخصية مؤثرة فى العالم، واختير من مجلة الايكونوميست ضمن اشهر ثلاثة اقتصاديين أحياء فى العالم. ولاعجابى بهذا الموضوع قمت بتحويل الفيديو إلى نص كتابى وترجمته الى اللغة العربية، وهو كالتالي؛ «فكرة إنشاء دولة إسرائيل لم تبدأ كفكرة يهودية، بل كانت فكرة بريطانية بالأساس. كان اليهود يعيشون فى أماكن متفرقة، ولم يكن عليهم أن يكونوا فى مكان محدد، ولم يكن هناك شغف للتمسك بأرض معينة، بل كانت هناك فقط مجموعة من المبادئ الدينية والأخلاقية. أحد النصوص الموجِّهة فى الديانة اليهودية هو التلمود، وفيه جزء يُعرف باسم العُهود الثلاثة، كتبه وجمعه الحاخامات فى القرون الأولى للميلاد. ويقول هذا الجزء: لا تعودوا إلى «إسرائيل» جماعات كبيرة، لا تفعلوا ذلك لأنكم ستجلبون المتاعب، عيشوا بسلام حيث أنتم. وهذا فى الحقيقة أمر تلمودي، اتبعه الحاخامات لما يقارب ألفى عام. إذن، فإن فكرة الدولة اليهودية الحديثة، كانت فى الأصل فكرة بريطانية فى عام 1917، فعلت بريطانيا ما كانت تفعله عادةً كإمبراطورية، قامت بتقديم وعود متعددة ومتناقضة حول نفس الأرض. خلال الحرب العالمية الأولي، وعدت الحكومة البريطانية الفلسطينيين وأطرافا أخرى بأمور مختلفة لأسباب مختلفة. أولاً، وعدت العرب بالاستقلال مقابل دعمهم فى القتال ضد الإمبراطورية العثمانية. وفى نفس الوقت، عقدت بريطانيا اتفاقا سريا مع فرنسا لتقسيم معظم مناطق الشرق الأوسط بينهما، فيما عُرف لاحقا باسم اتفاقية سايكس–بيكو. وتحت ضغط من الزعماء الصهاينة البريطانيين والأمريكيين، الذين جادلوا بأن دعم فكرة «وطن قومى لليهود» سيساعد فى كسب الدعم للقضية الحليفة، خصوصا داخل الولايات المتحدة. أصدرت بريطانيا وعد بلفور فى نوفمبر 1917. وقد نص هذا الوعد على أن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين. والمفارقة هنا أن فلسطين لم تكن حتى أرضا بريطانية فى ذلك الوقت، بل كانت لا تزال جزءا من الدولة العثمانية. لكن، وبأسلوب إمبراطورى معتاد، تصرفت بريطانيا وكأنها صاحبة القرار فى تحديد مصير أرض لم تكن تملكها بعد. كان هناك يهودى واحد فقط فى مجلس الوزراء البريطانى عام 1917، وهو إدوين مونتاجو، الذى قال: «لماذا تفعلون هذا؟ لسنا بحاجة إلى وطن قومى لليهود. اليهودية ديانة ولا تمثل أمة. اليهود لا يحتاجون إلى دولة. أولاً أنا بريطاني، وإذا قلتم الآن إن دولة فلسطين هى وطن اليهود القومي، كأنكم تقولون أننى لست بريطانياً». ويستكمل جيفرى ساكس حديثه ويقول: أنا كأمريكي، أستاء تماماً عندما يقول نتنياهو أن إسرائيل هى دولة الشعب اليهودي. هذا هراء بل ومقزز، وفى الواقع أنا يهودي، لكن إسرائيل ليست بلدي، بل الولايات المتحدة هى بلدي. وانتهى حديث جيفرى ساكس على ذلك. وأخيرا، يجب أن نتذكر تصريح رئيس وزراء بريطانيا (صاحبة وعد بلفور المشئوم)، السير كير ستارمر: «أن وعد بلفور لم يكن يلغى حق الفلسطينيين فى دولتهم».









