د. هانى بهاء الدين : ضبط الفتوى ينعكس إيجابًا على المجالين الدينى والاجتماعى
د.أحمد كرمانى : التنظيم المؤسسى خطوة ضرورية للحد من الفوضى
ساهم ضبط الفتوى الرسمية فى تقليل مساحة الفوضى الفقهية لكنه لم ينجح فى السيطرة على شلال فتاوى السوشيال ميديا التى تتضمن فتاوى فردية وشاذة لا تزال قادرة على إثارة الجدل والتأثير فى شرائح من المجتمع..والرهان الحقيقى ليس على حجب هذه الأصوات، وإنما بناء وعى مجتمعى ناقد يُمكّن الأفراد من التمييز بين الصحيح والدخيل، وخلق خطاب دينى متجدد قائم على احترام العقل والعلم ومنفتح على العصر، وعندها فقط يمكن للفتوى أن تستعيد مكانتها كأداة هداية وبناء لا أداة تشويش وانقسام..
د. هانى محمد بهاء الدين أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع جامعة قناة السويس يصف الفتوى الدينية بأنها إحدى أدوات تشكيل الوعى الجمعى وصياغة القيم والمعايير التى تحكم سلوك أفراد المجتمع، مؤكدًا أن انفتاح المجال العام على فضاءات الاتصال الحديثة جعل الفتوى غير محصورة فى المؤسسات الدينية الرسمية، بل صارت متاحة لأفراد يمتلكون منابر افتراضية وجمهورًا واسعًا، مما خلق حالة فوضى فقهية وأثار جدلاً حول مدى قدرة المجتمع على التمييز بين الفتوى الرصينة والفتوى الشاذة أو المضللة.. ورغم صدور قانون تنطيم الفتوى لم يرتدع هؤلاء بل زادت فتاويهم الخارجية عن صحيح الدين
أوضح أن ضبط الفتوى الرسمية ينعكس إيجابًا على المجال الدينى والاجتماعى بطرق متعددة حيث يسهم فى توحيد المرجعية الدينية وتقليل حالات الارتباك التى كان يعيشها المسلمون إزاء القضايا الكبري، حيث باتت الإجابة الواحدة الصادرة عن جهة معتمدة أكثر قدرة على تهدئة الجدل العام، وإرساء قدر من الاستقرار، وإلى جانب ذلك أخذت ثقة المواطنين بالمؤسسات الدينية الرسمية تنمو تدريجيًا باعتبارها الحارس الأمين على الثوابت والضامنة لعدم انحراف الخطاب الدينى عن مقاصده الكبرى.
أكد د. هانى أن هذا الضبط لم يمنع كليًا انتشار الفتاوى الفردية حيث تظل قادرة على جذب الانتباه بفعل عنصر الإثارة والغرابة بينما الفتوى المنضبطة قد تبدو روتينية وغير مثيرة، موضحا أن النجاح فى تجديد الخطاب الدينى يتطلب مقاربة أشمل تتضمن إصلاح التعليم الدينى والتربوى من المراحل الأولي، بما يُكسب الناشئة مهارات التفكير النقدى والقدرة على التمييز بين الرأى والاجتهاد والفتوى الملزمة، وتنقية التراث الدينى من الرواسب التى لم تعد ملائمة لعصرنا، إضافة إلى استثمار أدوات الإعلام الرقمى من المؤسسات الدينية نفسها بحيث تكون حاضرة بقوة فى منصات السوشيال ميديا بخطاب مبسط قريب من الناس، وتعزيز الشراكة بين الدين والعلوم الاجتماعية لفهم أثر الفتاوى فى تشكيل السلوك الجمعي، وربط الخطاب الدينى بالتحولات المجتمعية والاقتصادية والثقافية التى يعيشها المجتمع.
أشار د.أحمد كرمانى عبدالحميد الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن التحدى الحقيقى لا يكمن فى تقنين الإفتاء وحده، بل يستلزم بلورة خطاب مؤسسى قادر على استيعاب أبعاد الفتوى الاجتماعية والثقافية وتحويلها من مصدر انقسام وجدال إلى أداة حوار وتجديد، مشيرا إلى أن الأزهر يبذل جهودًا متنامية عبر هيئاته ومراكزه، ولاسيما مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية إلى جانب مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية، فضلاً عن مراكز الفتوى والوعظ المنتشرة فى أنحاء الجمهورية، موضحا أنّ التحدى ما يزال قائماً أمام اتساع المساحة المفتوحة لغير المتخصصين واستثمار الإعلام غير الرسمى للفتاوى المثيرة أو الشاذة سعيًا وراء الانتشار واصطناع «الترند»، أضاف أن الفتوى ليست حكمًا فقهيًا معزولاً يُستخرج من بطون الكتب ويُلقى على الناس، بل فى جوهرها ظاهرة اجتماعية وثقافية تتأثر بزمانها ومكانها وتخضع لبنية السلطة والمعايير السائدة فى المجتمع، مشددًا أن تنظيم الفتوى المؤسسية وتطبيق القانون بحسم خطوة ضرورية للحد من الفوضى لكنه يظل غير كافٍ لضبط الفضاء العمومى خصوصًا فى ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعى التى تمنح الفتوى الفردية أو الشاذة قابلية واسعة للانتشار.
يرى د.سيد مهران أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن الفتوى مسئولية شرعية كبرى لا يليق أن يتصدر لها إلا من تأهل علميًا عبر مؤسسات معتمدة وفى مقدمتها الأزهر الشريف الذى يمتلك المقومات الأكاديمية والمناهج العلمية لضبط مسار الفتوي، وهو ما جعله المرجعية الحصرية الجديرة بتقديمها للمجتمع، موضحا أن هذا الضبط المؤسسى أسهم فى ترشيد الخطاب الدينى وتجديده، وفى الوقت نفسه قلّص من حضور الفتاوى المتشددة أو المتضاربة داخل المجال العام.
أشار إلى أن التيارات المنحرفة يحاولون ترسيخ مفهوم أن العلم الشرعى أو علوم الدين ليست حكرا على أحد، وأنه تحصيلا وأداء ليس حكرا على أحد، قاصدين من وراء ذلك جعل العلوم الشرعية مشاعا لكل أحد.
تساءل د.هانى عبدالفتاح باحث فى الفكر الإسلامى قائلا: هل أتى قانون»تنظيم الفتوي» أو «تقنين الفتوي»الذى صدر فى 10 يونيه هذا العام ثماره خاصة أنه ينص على أن إصدار الفتوى تختص به هيئات إفتائية معينة؛ وحدد القانون تلك الهيئات فى الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامى والأوقاف.
أشار إلى أن الإفتاء صنعة غير الفقه، فإن كانت الفتوى هى إبداء الحكم الشرعى فى أمر من الأمور لاسيما الشأن العام؛ فإن الفتوى أمر خطير، قد يترتب عليه ازهاق روح، أو ضياع مال، أو انهدام أسرة، لذا يجب أن يترك لأهل الاختصاص والصنعة ورغم تشديد قانون تنظيم الفتوى على عدم مخالفته وأن من خالفه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه؛ إلا إن الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعى ومحتوياتها لا تراعى ذلك، ولا زال يُسمح لغير المختصين بالفتوى على الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، وهذا قد يؤدى بدوره إلى تضارب الفتاوى وتشتت ذهنية المستفتي.
أوضح أن ثمة فرق بين إصدار القانون وتفعيل القانون، وعليه فإن قانون تنظيم الفتوى رغم صدوره، إلا أنه يحتاج إلى تفعيل من الجهات التنفيذية حتى يؤتى ثماره.









