«الرحم الصناعى» باب أمل.. أم مخاطر بشرية واجتماعية جديدة؟!
علماء الاجتماع:
الحمل علاقة بيولوجية وجدانية بين الأم وجنينها
يقف العالم اليوم على أعتاب فصل جديد من فصول الثورة التكنولوجية تسمى «الرحم الصناعي» حين يندمج الطب مع الذكاء الاصطناعى فى معادلة واحدة بالإعلان عن أول روبوت فى العالم مزود برحم صناعى قادر على محاكاة رحلة الحمل البشرى كامله ابتداءً من لحظة التخصيب وحتى لحظة الولادة..فهل يفتح هذا الابتكار أبوابا جديدة للأمل فى وجه من يعانون العقم أو يواجهون صعوبات الإنجاب أم ينتج جنينًا مُشَوَّها يُعَرِّضُ المجتمع لمشاكل اجتماعية وقانونية معقدة.
يوضح الدكتور جمال شعبان استشارى امراض القلب والأوعية الدموية والعميد السابق لمعهد القلب أنه نظرًا لأن الرحم الصناعى يعد من التقنيات العديدة التى لا تزال فى مراحلها التجريبية مثل «الأكتوجينيسيس» لذلك أى مناظرة بين هذه التقنية والرحم الطبيعى تعتمد على المعرفة العلمية الحالية والمبادئ الفسيولوجية المتاحة ولتكن البداية مع المشيمة والتى توفر فى الحمل الطبيعى بيئة دموية وغذائية معقدة تشمل اولا تدفق الدم الديناميكى والذى يتم تنظيمه عبر ضغط الدم الأمومى والنبضات القلبية ثم تبادل الغازات والمواد الغذائية والذى يتم عبر الحاجز المشيمى بكفاءة عالية مع احتمالية نقص العوامل المناعية والهرمونية التى تنتجها الأم والتى قد تؤثر على النمو العام إضافة الى صعوبة محاكاة التفاعلات الديناميكية بين الأم والجنين مثل استجابة المشيمة لتغيرات ضغط الدم أو الإجهاد ومن هنا يمكننا القول ان الرحم الصناعى يمكنه محاكاة الجوانب الأساسية ولكنه لا يزال بعيدًا التعقيد الكامل للمشيمة البشرية.
وعن إمكانية محاكاة العوامل الأساسية فى الحمل الطبيعى اضاف شعبان ان التدفق الدموى والضغط والذى تساهم فى تكوين الحجرات القلبية والصمامات يمكن محاكاته باستخدام مضخات متطورة توفر تدفقًا نبضيًا اما الأكسجين والمواد الغذائية الهامة لتمايز الخلايا القلبية فيمكن التحكم بها بدقة عبر أنظمة الأكسجة وإمدادات المغذيات.
وعن المخاطر القلبية المحتملة اشار شعبان إلى ان نقص الاكسجين وانخفاض التدفق قد يسبب تأخراً فى نمو القلب وتشوهات خلقية مثل عيوب الحاجز البطينى أو الأذينى اما التدفق المفرط قد يسبب ضغطًا زائدًا على الأوعية الدموية الجنينية مما يؤدى إلى تمدد الاوعية او ضعفها واضطرابات فى تكوين الصمامات.. اما عدم انتظام التدفق قد يؤثر على تطور الأوعية الدموية مما يؤدى إلى تشوهات وعائية كما انه إذا لم تكن الأنظمة معقمة قد يحدث خلل فى تدفق السوائل قد يؤدى إلى مخاطر قلبية كبيرة مما يتطلب رقابة دقيقة وأنظمة متطورة ومع ان الدراسات الحالية و التجارب على الحيوانات «مثل الحملان» أظهرت نموًا قلبيًا طبيعيًا نسبيًا ولكن البشر أكثر تعقيدًا ومع الرقابة المتواجدة فى الرحم الصناعى المستمرة باستخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية أو أجهزة استشعار متقدمة.
وللتعرف عن هذا الابتكار وما وصل اليه كانت البداية مع دكتورة ميريت رستم استاذ التكنولوجيا الحيوية وعضو لجنة البحث العلمى والتكنولوجيا والامن السيبرانى فى المجلس القومى للمرأة والتى اشارت الى انه من أصعب العقبات التى تواجه العلماء اليوم عند محاولة صنع بيئة تشبه رحم الأم داخل جهازصناعى هو أن الرحم الطبيعى ليس مجرد مكان مغلق بل هو بيئة معقدة جداً تتحكم فى كل شيء بدقة من الغذاء والأكسجين إلى الهرمونات والإشارات الحيوية وتقليد هذا التوازن بدقة أمر صعب للغاية حيث ان نقل الإشارات الهرمونية بين الأم والجنين ما زال تحديا وعلى الرغم من تصريح مؤسس الشركة المنفذة للمشروع والذى يؤكد أن الروبوت الجديد قادر على حمل الجنين لمدة تصل إلى عشرة أشهر كاملة داخل بيئة شبه طبيعية تحاكى الرحم البشرى بكل تفاصيله الدقيقة حيث يتغذى الجنين عبر أنبوب يحاكى الحبل السرى ويتنفس ويتحرك فى سائل أمينوسى صناعى يحاكى الوسط الحيوى الذى يوفره جسد الا اننا كخبراء فى مجال التكنولوجيا الحيوية مازلنا نرى ان عملية الانتقال من التجارب الجزئية إلى الحمل الكامل لا يزال تحديا علميا.
وعن آخر التطورات والأدوات والتقنيات الحديثة التى تساعد فى تطوير هذا الرحم الصناعى اكدت ميريت ان الشركة المصنعة صرحت بأن هذا الابتكار قد وصل بالفعل إلى مرحلة النضج المختبرى والخطوة التالية هى دمج التقنية داخل روبوت لتصبح تجربة تفاعلية أكثر قرباً من الإنسان ومن أهم الأدوات المستخدمة اجهزة الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد لصنع أنسجة دقيقة وأجهزة الاستشعار النانوى التى تتابع حالة الجنين بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعى.
ومن المفترض انه قد تم الاختبار أولا على أجنة حيوانية قبل التفكير فى استخدامه على البشر وعلى الرغم من ان هذه التجارب تحتاج لسنوات عدة الا ان مؤسس الشركة قد أكد أن طرح النموذج الأولى للاستخدام التجريبى سيتم بحلول عام 2026.
وبالانتقال إلى دكتور محمد علاء الدين استاذ جراحة المخ والاعصاب كلية الطب جامعة القاهرة والذى أكد انه حتى الآن يمكن للرحم الصناعى محاكاة عدة جوانب بيئيه للحمل الطبيعى ولكنه لا يمكن ان يماثل البيئة الطبيعية لرحم الأم تماما فقد يمكنه تقليد ضربات القلب وبعض الاصوات الاخرى كالتنفس وما الى ذلك ولكن لا يمكنه توفير المؤثرات الاخرى الكامله مع العلم ان المحفزات العصبية والهرمونية تلعب دورا مهما جدا وحساسا فى نمو الجهاز العصبى والمخ وتشكيل الوصلات العصبية للجنين ولا يوجد طريقة لاستبدالها لذلك سوف يكون هناك تأثيرات بعيدة المدى على الوظائف الذهنية والسلوكية لا يمكن التكهن بها حتى الآن كما ان الجنين داخل الرحم يتعرض لموجات هرمونية متعددة مثل الكورتيزول والبروجستيرون واليرولاكتين والتى تؤثر فى تشكيل ونمو السلوك لدى الجنين وغياب هذه المحفزات أو تبديلها قد يؤدى الى تبديل فى حجم مناطق دماغية متخصصة فى المشاعر والذاكرة و«الجهاز الحوفى».
وعن الجانب الاجتماعى فقد اوضحت الدكتورة هبة عابدين أستاذ الإعلام والرأى العام بالمركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية ان ما يطلق عليه «رحم صناعى «هو أحد المخرجات التى يعكف عليها العلماء بغرض خدمة الإنسانية وان عملية الحمل لا تقتصر على الجوانب البيولوجية فقط بل وان من خلالها تبدأ وتتطور علاقة الأم بطفلها وجدانيا وشعوريا كما تبدأ اللبنات الأولى للتكوين الأسرى وشعور كل من الأم والأب بالرابطة الأسرية التى انعقدت بهذا الرباط ولاتقتصر الأدوار الاجتماعية للأسرة فى عملية الإنجاب وحفظ النوع كعملية ميكانيكية آلية وإنما هى عملية تتضمن فى جوهرها الحفاظ على التماسك المجتمعى والذى يبدأ من التماسك الأسرى الناجم عن الاحساس بالانتماء المتولد عن مشاعر معقدة من غريزة التكاثر والتوالد والأمومة والأبوة والتنشئة الاجتماعية وغيرها من العوامل النفسية والاجتماعية.
وأكدت عابدين أن تلك الحاضنة الصناعية التى نتحدث عنها يمكنها أن تحل مشكلة طبية تتعلق بالقدرات الانجابية لبعض الحالات التى تحتاجها اضطرارا أما أن يلجأ لها البعض اراديا فهو أمر يخضع لأخلاقيات المهنة.