أحدثت وسائل التواصل الاجتماعى نقلة نوعية كبيرة فى حياة الناس، وغيّرت الشبكة العنكبوتية – الإنترنت- أساليب كثيرة من التصرفات والعمل، ومثلها مثل كل جديد أو تكنولوجيا لها وجهان سيىء وجيد مفيد، وكلاهما يمكن التحكم فيه واللجوء إلى النافع وترك الغث التافه، الذى بكل أسف ساد لفترة طويلة، من حيث اتجاه المستخدمين إلى ألعاب طفولية، والتلاسن وبث آراء يتم فرضها فرضا والدفاع عنها مهما كانت خطأ دون نقاش أو استماع للرأى الآخر.
وما عانيناه منذ أحداث 25 يناير 2011 وما بعدها إلا واحدة من تلك المأساة، من الإفتاء فى كل مجال والخوض فى كل موضوع والتحليل بلا دراسة أو أساس أو وعى، وسادت لهجة استعلاء من جهلاء يدعون العلم، ومن محاولات لفرض رؤى بالقوة، ومبادىء مخالفة لأخلاقيات المجمتع وعاداته، ومازال من تلك بقية باقية لم نتخلص منها، ربما تحتاج إلى وقت وجهد كبير لدحضها والعودة إلى الأصول والمثل والطريق الصحيح.
بجانب ذلك، كانت «هوجة» النشطاء الذين ظهروا فى تلك الفترة الرمادية وهم بلا هوية، يتحدثون فى كل الموضوعات ويتصدون لكل القضايا، ويهرفون بما لا يعرفون، كأنهم خبراء وعالمون ببواطن الأمور، يعتمدون على الصوت العالى الذى لا مقابل له ويلبسون الباطل ثوب الحق.
وبسبب ذلك، وجدتنى أكره مواقع التواصل كراهية التحريم، ولولا ما فيها من بعض فائدة لقاطعتها وطلقتها طلقة بائنة، فمن خلالها نعرف أخبار الأصدقاء والزملاء ومناسباتهم الاجتماعية ومشاركتهم فيها أداء للواجب الإنسانى، لذا وجدتنى مضطرا للبقاء واستمرار التعامل مع الموبايل على مضض، أحمله وأنا له كاره، بل لا أحب رناته وهو يلازمنى فى كل وقت، فليس فى كل مرة يأتى بأخبار سارة أو عادية، أما عن إزعاج الشركات العقارية فحدث ولا حرج، بكل ما تحمله من استفزاز ومطاردة وعروض تصيب برفع ضغط الدم.
وإحقاقا للحق، فليست الصورة سوداء كلها، فهناك نقاط مضيئة، ومنها على سبيل المثال، التصدى لتلك السلبيات الموجودة فى الشارع، والتعدى على الحقوق وخاصة مظاهر البلطجة التى نعانى منها كثيرا، بشكل أو بآخر، فقد تصدرت فى الأشهر الأخيرة جهود ومحاولات بتصوير تلك التصرفات وعرضها على المواقع، من المخالفات أو الخروج على القانون، وكلها تجعل الدم يغلى فى العروق.
إلا أننى أجد العزاء فى جهود وزراة الداخلية، التى تستحق الثناء والإشادة، من سرعة التحرك وضبط المخالفات وتقديم مرتكبيها إلى النيابة، خاصة وأن معظم تلك الحالات لا يحرر المجنى عليهم محاضر بها، ورغم ذلك يتم تتبعها وعدم غض الطرف عنها، وأتابع ردود الفعل وفرحة الناس بذلك، لأن معظم تلك التصرفات تتكرر مع الكثيرين منا ربما فى اليوم عشرات ومئات المرات، لكن يحجم الذين يتعرضون لها عن الإبلاغ، لأنها كثيرة، أو من وجهة نظرهم لا تستحق الوصول إلى قسم الشرطة، ويرى آخرون أنهم قد لا يحصلون على حقوقهم، لكن للإنصاف، ما نراه عكس ذلك.
لا شك أن الشارع يعج بكثير من الممارسات الخاطئة والتصرفات غير السوية، منها ما هو ضد القيم والأخلاقيات وحقوق الجيرة، أو خارج على القانون ويدخل فى نطاق التجريم، وليست كلها تحتاج إلى وزراة الداخلية وحدها للقضاء عليها، بل تقع فى حيز مسئوليات كل الجهات المختصة ذات العلاقة، لنتخلص من تلك الظواهر.
صحيح أننا لا نحلم بالمدينة الفاضلة الخالية من كل السلبيات والجرائم والمخالفات، لكن نحلم أن تكون القاعدة أن تسود المبادىء والقيم، لا العكس، وألا تفرض القلة المنحرفة أسلوبها على الجميع، وتشوه الصورة الجميلة، ولا يجب أن يكون لها مكان.
ودعونى أضرب مثالا، ذلك التلميذ ابن الثلاثة عشر عاما الذى ارتكب جريمة بشعة شنعاء، مثل عتاة المجرمين وعصابات المافيات، قتل زميله وقطعة ست قطع بالمنشار وتخلص من الجثة فى أماكن متفرقة، أليس هذا نموذج تقع على الجهات المختصة دراسة الأسباب والملابسات حتى لا تشيع مثل هذه الجرائم ولا تتكرر، ولا يكفى القبض عليه ومحاكمته.
مرة أخرى، شكرا وزارة الداخلية على جهودها، وهى تشفى صدورنا، خاصة بالقضاء على البلطجية، والذين يزعمون أنهم فوق القانون.