بقلم : حلمى النمنم
هذا العام كان البروفيسور عمر مؤنس ياجي،أحد ثلاثة نالوا جائزة نوبل فى الكيمياء، لجنة الجائزة قالت فى بيانها إنه «أردني–أمريكي»، وعلى الفور هنأه فى تصريح خاص الملك عبدالله الثانى ملك الأردن بالفوز.
الجائزة لم تقل كل التفاصيل عن عمر، وليس متوقعا منها ذلك، هو ولد فى المملكة الأردنية الهاشمية سنة 1965، الوالد فلسطينى من أولئك الذين نزحوا إلى الأردن بعد نكبة سنة 1948، وكانت ظروف الحياة قاسية، خاصة أن الأب كثير الإنجاب، سبعة من الذكور إلى جانب أختين، الأب جزار، يربى الماشية، وقد انتبه أن مستقبل ابنه ليس بينهم، خاصة أن الطفل أبدى قدرًا من النجابة، لذا أرسله وهو فى الخامسة عشر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليواصل تعليمه هناك، كان ذلك سنة 1980، ذهب ولم يعد ثانية وأن لم ينقطع عن الأهل، واصل مراحل التعليم المختلفة هناك، حتى نال الدكتوراه ثم استمر يعمل ويواصل أبحاثه، ولما بدا تميزه العلمى هناك فتحت أمامه الكثير من الفرص، هو حالياً أستاذ فى جامعة كاليفورنيا، عمل على تطوير الأطر المعدنية بشكل علمى ومنهجى يتيح الحصول على المياه من الجو فى المناطق الصحراوية بما يساعد من الحد فى أزمات المناخ.
المملكة العربية السعودية، انتبهت إليه مبكراً فمنح جائزة الملك فيصل العالمية فى مجال العلم، قبل عشر سنوات (2015) وفى العام 21، منح الجنسية السعودية من خادم الحرمين الشريفين، وهو أول عربى يحصل على نوبل بعد الراحل د.أحمد زويل الذى فاز بها فى الكيمياء أيضاً سنة 1999، مع فارق أن زويل نالها منفرداً، لكن عمر حصل عليها ضمن فريق من علماء ثلاثة.
الفارق الآخر أن زويل غادر مصر وقد تخرج وعمل ونال الماجستير من جامعة الإسكندرية، كان رجلاً ناضجاً حصل على منحة فى الولايات المتحدة، بينما عمر ذهب وهو صبى فى الخامسة عشر، أى أنه تربى وتكون هناك، منذ النشأة الأولي.
> > >
عقب الفوز مباشرة قامت زوبعة على السوشيال ميديا، بلا معنى حقيقي، حول جنسيته، هل هو أردنى أو فلسطينى أو سعودى أو أمريكي؟، وهناك من يراه فلسطينى فى المقام الأول، فلسطينى فقط، وهناك من يصر أنه أردنى فقط، ولا يجب أن يجحد دور الأردن فقد ولد به وقضى سنواته الأولى على أرضه، هذا صحيح، ثم الفريق الثالث الذى اعتبره سعودى فى الأساس، ليس فقط لأن لديه جنسية سعودية بل لأنه يشرف على عمل علمى فى المشاريع والمجالات التى وضع أسسها ولى العهد السعودي، خاصة أن بروفيسور عمر له تصريحات عن الدور الذى يقوم به سمو ولى العهد السعودى فى الاهتمام بالعلماء وبالمجال العلمي.
هذه كلها أمور بسيطة لا تستحق هذا الجدل هو فلسطينى بالأصل العائلي، أردنى المولد والنشأة، سعودى الجنسية وقبل كل ذلك وبعده هو أمريكي.
الزوبعة الثانية كانت عن علاقته بإسرائيل، سبق له أن نال جائزة علمية فى إسرائيل وتعامل فترة مع أحد المعاهد العلمية فى إسرائيل، معهد وايزمان.
والحق أنه يعمل أساساً فى جامعة أمريكية ومراكز علمية أمريكية، وهذه المراكز تتعاون مع المراكز المناظرة لها فى إسرائيل، وإذا رفض هو شخصياً التعامل سيجد نفسه خارج تلك المنظومة العلمية، فضلاً عن أن كثيرين يرفعون شعار أن العلم لا وطن له، رغم شيوع تلك المقولة لكنها ليست صحيحة على طول الخط، لنتأمل – مثلاً – مجال الأبحاث النووية وعلوم الذرة، وهذه الزوبعة وغيرها، ظلت طوال يومين ثم نُسيت.
بعيداً عن مجال السوشيال ميديا ومعاركها أو زوابعها الافتراضية مر الأمر بهدوء لا صدى كبير للفوز فى الشارع العربي، ليست هناك فرحة كبيرة لدى الناس، يمكن للبعض منا القول إن الضمير العربى لحظتها كان ومازال يعيش وجع ما يجرى فى غزة والضفة الغربية.
هذا صحيح، لكن ذلك لم يمنع جمهور كرة القدم فى العالم العربى كله من متابعة مباريات التأهل لكأس العالم من الرباط إلى الرياض وأبو ظبي، مرورًا بالقاهرة والإسكندرية وأسوان، ولم يمنع الجمهور من الاستمتاع بحفل أنغام على مسرح ألبرت هول فى لندن، ومتابعة كافة التفاصيل عن الفنانة الكبيرة وحفلها البديع.
الإنجاز العلمى الكبير له، تم فى إطار المنظومة العلمية الأمريكية ومشاريعها، ولصالح المؤسسات الأمريكية، يتحول المنجز إلى أداة أو ترس فى السوق الأمريكية الضخمة.
بالتأكيد أى منجز علمى لا يشغل الرأى العام، على نطاق واسع وقد لا يشعر به كثيرون، نحن هنا لم نستفد باكتشاف أحمد زويل «الفيمتو ثانية»، ذهب الكشف للآلة الصناعية والعسكرية الأمريكية، يعرفه جيداً أولئك الذين يعملون فى هذه المجالات.
الأمر نفسه ينطبق على الفائز «السعودي/الأردني/الفلسطيني» هذا العام بروفيسور عمر ياجي، ما قام به هو وزميليه سيذهب إلى المؤسسات العلمية والعملية التى يمكنها تحويل الاكتشاف إلى منتج، يصل فى النهاية إلى مستهلك.
> > >
فى عالمنا العربي، وفى مصر، لدينا مركز للبحوث العلمية وأكاديمية البحث العلمي، فضلاً عن مراكز فى كل جامعة، فى عدد من الدول العربية خاصة دول الخليج مراكز علمية مجهزة، لكن حتى الآن منظومة البحث العلمى ليست فى أفضل حالاتها ولا هى على المستوى الذى نتطلع إليه، ربما نقص فى الاعتمادات المالية والإنفاق، وربما أنه لا يطلب شيئًا محدداً منها.
فى وقت ما حين كانت مصر تواجه البلهارسيا نجحت كلية العلوم فى جامعة القاهرة، تحديداً د. رشيقة الريدى فى التوصل إلى اكتشاف للحد من خطر القواقع التى تؤدى إلى انتشار البلهارسيا وكذا معهد تيودور بلهارس فى جامعة القاهرة قام بالعديد من الجهود، فى النهاية أمكن القضاء على البلهارسيا، التى ظلت قروناً طويلة تنهش أكباد المصريين، حتى بلغ الأمر أن الأم إذا تألمت لابنها أو شعر هو بألم تصرخ «يا كبدي».
المفترض أن تعرض على هذه المراكز قضايا محددة، من هذا النوع، للعمل عليها، فضلاً عن أن العلماء لديهم الفضول العلمي، تستوقفهم قضايا بعينها فى واقعنا قد لا تلفت انتباه الآخرين فيعملون عليها، المفروض أن لا نعوق ذلك الفضول، بل نساعدهم بتوفير الإمكانات التى يحتاجون إليها، قد يقومون بتجربة ما، تقتضى تكلفة كبيرة والعائد ليس مؤكداً، وقد لا يتحقق إلا بعد العديد من المحاولات والتجارب، فلا نبخل عليهم ولا نحاسبهم حساب الملكين.
نحن الآن نتجه إلى إعمار الصحراء، ضاق الوادى بنا، عشنا قرونا على أقل من ٧% من مساحة مصر، فى السنوات العشر الأخيرة اخترقنا هذه النسبة بالاتجاه شرقاً وغرباً نحو صحراء مصر، حتى بلغت النسبة 14٪ وماتزال نسبة قليلة، يقتضى الأمر أن يتطور البحث العلمى فى مجال تحلية مياه البحر، لتكون لدينا مياه كافية للمدن الجديدة والمشاريع التنموية بها، التحلية الآن عالية التكلفة، والمطلوب التوصل إلى طرق أسرع وأقل كلفة، لدينا أمور عديدة يمكن أن يكون البحث العلمى دافعاً وقاطرة سريعة إليها.
فى جامعاتنا يتحول التفوق العلمى إلى عبء على صاحبه فى التدريس للطلاب وفى الأعمال الإدارية، هل يمكن أن نخصص مجموعات للبحث العلمى فقط، بقية المهام لا تكون هى الأساس.
الوصول إلى ذلك لن يتحقق دون وعى كافٍ بأهمية وقيمة العلم ومنظومة البحث العلمى فى حياتنا، وأن يكون ذلك جزءاً من ثقافتنا العامة، وهو ما لم يتحقق إلى يومنا هذا، حاول أن تفتش عن مكانة كليات العلوم فى رغبات الطلاب والطالبات بمكتب التنسيق سنويًا، حتى مكانة هذه الكليات داخل جامعاتنا.
الوعى العام فضلاً عن الصحفيين والمثقفين سنوياً يتوقفون ويتساءلون عن جائزة نوبل فى الآداب، من رشح لها بين كتابنا، من يستحق الفوز، لماذا تأخرت علينا؟ لن تجد قلقًا ولا انزعاجاً أن جائزة نوبل فى الطب لم تصل إلينا ولا رشح لها طبيب مصرى أو عربى واحد، لدينا أطباء عظام، لكن الذين يبحثون فى المجال الطبى ليسوا بهذه الدرجة التى تدفع بهم نحو الجائزة، وكذا الحال فى بقية الفروع.
زويل وياغي، كل منهما كان جزءاً من المنظومة البحثية الأمريكية، الأسماء المصرية والعربية التى برزت وتردد أسماء بعضهم فى ساحة نويل كانوا ضمن المنظومة الأوروبية والأمريكية.
حين فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الآداب سنة 88، فرح العرب جميعًا، وقتها كانت علاقة مصر وسوريا الدبلوماسية مقطوعة، مع ذلك عمت الفرحة شوارع دمشق وحلب، السبب أن إبداع محفوظ المقروء أو الذى صار عملاً سينمائيًا، شاهده واستمتع به القارئ والمشاهد المصرى والعربى فى كل مكان، باختصار إبداع محفوظ صار جزءاً من التكوين الثقافى للمواطن العادي.
هل يمكن أن يصبح الجانب العلمى جزءاً من تكوين الوعى العام للمواطن، على الأقل شريحة من المواطنين.
لدينا ملايين من مشجعى وعشاق كرة القدم، ملايين من مريدى السيدة زينب والسيد البدوى وسيدنا الحسين وكل السادة العظام، لدينا كذلك مئات الآلاف من محبى ومشجعى الآداب والفنون، لكن كم لدينا من محبى العلوم مثل الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا، ليس متوقعاً أن يكونوا ملايين، لكن المهم أن يكون هناك من يهتم بهذه العلوم.