كتب : أحمد شلبى
فى كل دورة من دورات معارض الكتاب، تقف خلف الكواليس معاناة حقيقية تعيشها العديد من دور النشر، خاصة فى ظل الارتفاع المستمر لتكاليف المشاركة، والتى تشمل إيجارات الأجنحة، وتكاليف الطباعة، والتوزيع، والتسويق، وسط منافسة شديدة وتراجع فى القدرة الشرائية للجمهور وقد أضافت الأسعار الجديدة لإيجارات للأجنحة التى أعلنتها هيئة الكتاب بخصوص دورة العام الجديد 26 عبئا جديدا على الناشرين لاسيما الصغار منهم مما دفع بعضهم للتفكير فى عدم الاشتراك فى الدورة القادمة تلاشيا للخسائر.. ويخشى مهتمون بالشأن الثقافى من أن استمرار ارتفاع الأسعار سيؤدى إلى إخراج دور النشر الصغيرة من المشاركة، وهو ما بدأ يتحقق بالفعل، حيث أصبحت المشاركة صعبة أو شبه مستحيلة بالنسبة للناشرين الصغار.
«المشاركة عبء»
من أبرز الأمثلة على ذلك، ما تعانيه احدى دور النشر ، التى اضطرت لرفع أسعار إصداراتها خلال العامين الماضيين بسبب الزيادة الكبيرة فى تكاليف الطباعة، خاصة أسعار الورق،.
وفى محاولة للتخفيف على القارئ، قدمت الدار خصومات وصلت إلى 70٪ على بعض إصداراتها داخل المعارض، لمواجهة ظاهرة تزوير الكتب التى كبّدت القطاع خسائر فادحة.
وشاركت الدار مؤخرًا فى معرض الكتاب بجناحين داخل قاعات العرض، مما ضاعف من نفقاتها التشغيلية.
وفى هذا السياق، أكدت الناشرة والكاتبة «انتصار ربيع»، مسئولة الدار، أن تكاليف المشاركة أصبحت تمثل عبئًا كبيرًا على الناشرين، مشيرة إلى أن إيجار مساحة 9 أمتار مربعة بلغ هذا العام 25 ألف جنيه، بينما بلغ إيجار الجناح المميز 31 ألف جنيه.
كما نوهت إلى الزيادة فى رسوم الاشتراك الخاصة باتحاد الناشرين، وهو ما يزيد العبء على الدور.
«توسع رغم التحديات»
دار أخرى عرضت خلال معرض القاهرة الدولى للكتاب أكثر من 1000 عنوان، منها 300 كتاب للأطفال و200 لتعليم اللغة الصينية، بالإضافة إلى أعمال مترجمة وكتب معرفية متنوعة.
وأكدت الدار أنها تتحمل كامل تكاليف النشر لعدد من المشاريع الثقافية الجديدة دعمًا للمؤلفين وتعزيزًا للمعرفة، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.
كما شاركت مؤخرًا فى عدد من المعارض الدولية، مثل معرض بكين الدولى للكتاب، فى محاولة لتعزيز الحضور المصرى والعربى على الساحة الثقافية العالمية.
من جانبه، يرى أحمد سعيد ناشر وعضو لجنة البرنامج المهنى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، أن وجود الناشر هو السبب الرئيسى لنجاح المعرض، مطالبًا الدولة بدعم الناشر بأى شكل.
وأشار إلى أن الناشرين لا يعملون بمنطق تجارى بحت، بل هم مؤسسات توعية وتثقيف، داعيًا إلى دعم صناعة النشر وتطويرها، خاصة أن الدولة تطالب الناشر بأن يكون صاحب حس وطنى ومدركًا لأهمية دوره فى تشكيل وعى الأجيال.
مضيفاً أن المشكلة لا تتحملها وزارة الثقافة أو الهيئة العامة للكتاب وحدهما، بل تتطلب تدخلاً على مستوى أعلي، لأن التكاليف أصبحت «خرافية»، على حد تعبيره.
«منافسة شرسة»
ورغم أن هذا العام، تجاوزت الأسعار كل التوقعات، حيث بلغ إيجار مساحة 15 مترًا نحو 42 ألف جنيه، فى حين تواجه المساحات الصغيرة زيادات مشابهة.
رغم هذا، لا تزال دور النشر، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة، تجد صعوبة كبيرة فى تحمّل هذه التكاليف، خاصة مع الارتفاع المستمر فى أسعار الخامات وندرة الورق بالسوق المحلية.
ومن جانبه يؤكد ابراهيم قنديل، صاحب دار «للنشر»، أن الإقبال الجماهيرى على المعارض لا يزال جيدًا، إلا أن المبيعات لا تعكس نفس القوة، نتيجة التراجع الواضح فى القدرة الشرائية لدى القرّاء.
وأشار إلى أن كثيرًا من دور النشر أصبحت تشارك فقط للحفاظ على الحضور والمكانة، لا من أجل الربح.
وطالب قنديل الجهات المنظمة بتقديم حلول واقعية، تُمكّن دور النشر من الاستمرار فى أداء دورها التثقيفى والتوعوي.
«ضغط متزايد»
ولأن كل هذه التكاليف تشكل ضغطًا كبيرًا على ميزانيات دور النشر، التى تضطر إلى توزيع مصروفاتها بين الإيجارات، والنقل، والرواتب، والترويج.
ومع ارتفاع التكاليف، قد تُقلص الدور من نشاطاتها الثقافية مثل ورش العمل، والندوات، والتوقيعات، لتتحول المشاركة إلى عرض مبيعات فقط.
كما أن ارتفاع تكاليف المشاركة ينعكس على سعر الكتاب، ما قد يدفع القارئ إلى التراجع عن الشراء أو التوجه نحو نسخ أرخص أو مستعملة، مما يُضعف العلاقة بين الناشر والجمهور، ويضر بالمجال الثقافى بأكمله.
يرى فريد زهران، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن ارتفاع إيجارات أجنحة العرض يمثل عبئًا إضافيًا على دور النشر، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، ويُضعف من قدرتها على المشاركة الفعّالة.
وأكد زهران أن النشر يجب أن يُعامل كصناعة ثقافية تحتاج إلى الدعم، وليس كفرع تجارى يسعى للربح فقط.
ودعا إلى تخفيض الإيجارات، أو على الأقل وضع آليات مرنة لدعم الناشرين، حتى تظل المعارض منصة للنشر والثقافة، لا مجرد ساحة للعرض التجاري.