عدد الأفلام التى تناولت نصر أكتوبر ليس كبيرًا.. ولايزال هناك المزيد من القصص وحكايات الأبطال من الجنود والضباط والقادة كتبوها بالدم والاخلاص والوطنية.. وعندما اجتمع كبار النقاد لاختيار أفضل الأفلام فى تاريخ السينما المصرية عن حرب أكتوبر اجمعوا على أن فيلم (أبناء الصمت) هو الوحيد الذى جاء فى قائمة المائة الاهم ونظرًا لأن الحرب قامت عام 73.. والاستفتاء جرى عام 2007 بمجموعة خاصة من النقاد.. وسبقه عام (96) استفتاء أحسن الأفلام بدائرة واسعة من النقاد.. كل فى تخصصه وكان نصيبى فيها.. أن اكتب عن أفضل كتاب السيناريو من واقع الأفلام التى تم اختيارها وفى هذا الاستفتاء تقدم فيلم (أغنية على الممر) للمخرج على عبدالخالق.. على (أبناء الصمت) بفارق 8 مراكز وكلاهما من انتاج جماعة السينما الجديدة.. ولذلك غاب فيلم (الممر) (2019).. وهو فى رأيى الاضخم انتاجًا من حيث المعارك.. وتكنولوجيا التصوير والخدع والصوت.. وهذا لا يقلل من شأن الفيلمين الآخرين.. وقد تم انتاجهما بالحد الأدنى من الميزانيات وكان تطوع النجوم الكبار من العوامل التى ساعدت على ظهورهما وتاريخيًا عرض (أبناء الصمت) عام 1974.. أى بعد نصر أكتوبر بأشهر قليلة.. بينما ظهر فيلم (أغنية على الممر) عام 1972.. هو لم يلحق حرب أكتوبر وإن كان قد بشر بها.. ولعب بطولته محمود مرسي.. مع محمود ياسين وصلاح قابيل وأحمد مرعى وصلاح السعدنى مع مديحة كامل وهالة فاخر.. عن سيناريو مصطفى محرم واستوحاه من مسرحية بنفس الاسم كتبها على سالم.
(أبناء الصمت)
المنتج هو المخرج.. والفيلم مأخوذ عن رواية للأديب مجيد طوبيا وتمسك أن يكتب السيناريو والحوار بنفسه وهنا تبدأ الأحداث مع حرب الاستنزاف من خلال مجموعة من شباب المجتمع المصرى يمثلون شرائح مختلفة.. ولكل منه مشكلته وأزمته.. وفى الخندق الواحد تجتمع الهموم والاحباطات مع الرغبة فى تجاوز الهزيمة.. فيهم شلبى الفلاح ومحمود العامل وصابر الصعيدى وخريج الجامعة والمهندس وتختلط الهموم الخاصة بالعامة.. وتتوحد.. وهو ما يعطى الفيلم أهمية خاصة لأنه يستعرض شرائح المجتمع.. يحكى كيف توحد الشعب والجيش فى خندق واحد حتى قلنا أن بيوتنا جميعًا قد ارتدت الملابس الكاكى الميدانية.. الأمهات تدبر أمور الحياة فى ظل ظروف اقتصادية صعبة وغياب معظم الرجال والشباب على الجبهة.. كما أن انتاج الفيلم بعد العبور منحه فرصة أكبر لتجسيد الحدث رسميًا على لسان الفريق سعدالدين الشاذلى فى الكتاب الذى أصدرته عنه فى طبعتين بعنوان (كبرياء العسكرية المصرية) حيث قال إنه رفض تواجد الإعلام فى الساعات الأولى من الحرب وما قبلها حفاظًا على عنصر المفاجأة والسرية لكن بعد ذلك جرى استعادة المشاهد وتوثيقها وكان هذا الفيلم سباقًا فى ذلك.
على أعلى مستوى
دائمًا القصص التى تجمع بين الحرب والحب تصبح من الأعمال الخالدة فى تاريخ السينما لعل أبرزها فيلم (ذهب مع الريح) و(كازابلانكا) الذى حصل على أفضل سيناريو فى تاريخ السينما العالمية عام 2006 رغم أنه عرض لأول مرة عام 1947 بطولة همفرى بوجارت وقد تم ينشر السيناريو مترجمًا مع دراسة شاملة وسر اختياره كأفضل نص سينمائي.. رغم أنه مأخوذ عن مسرحية.
والحب الذى جمع بين المجند مجدى ونبيلة الصحفية وكذلك المجند الصعيدى مصطفى وزوجته.. وقد وحد البدر بينهم والكاميرا تنتقل من حالة إلى أخرى كأنها بشارة الأمل والنصر.. وقد لعبت ميرفت أمين دور الصحفية.. وأدى محمود مرسى دور رئيس التحرير الذى فى دنيا أخرى بعيدًا عن ظروف الحرب التى يعيشها البلد كله.. وقد كان الفنان الكبير عبقريًا فى اختيار هذا الدور المختلف تمامًا عن دوره فى فيلم (أغنية على الممر) فهو الشاويش محمد الذى ترك أرضه الزراعية لكى يشارك فى حرب 67 كما شارك من قبل فى حرب 1956.. حيث يدافعون عن فصيلة عسكرية تم حصارها فى حرب الأيام الستة.. ومرسي.. العملاق يعرف جيدًا كيف يختار ولا يكرر نفسه بينما لعبت مديحة كامل دور رئيفة صديقته فى فيلم (أبناء الصمت).. ومعها حمدى أحمد (صابر)، ومحمد صبحى (سمير) وأحمد زكى (مصطفي)، ومحمد لطفى (ماهر)، والسيد راضى (عوض) وسيد زيان (شلبي).. وعلى رأس هؤلاء نور الشريف فى دور (مجدي) ويرجع نجاح فيلمى (أغنية على الممر) و(أبناء الصمت) واختيارهما دون باقى الأفلام التى أخذت من حرب أكتوبر موضوعًا لها مثل (الرصاصة لاتزال فى جيبي)، و(بدور)، و(الوفاء العظيم)، (العمر لحظة).. وهناك بعض الأعمال المهمة التى تم تقديمها بعد ذلك وكانت معبرة جدًا عن النصر سواء بالإعداد الجيد له مثل (الطريق إلى إيلات) للمخرجة انعام محمد علي.. وتم تقديمه عن قصة حقيقية لأبطالنا عندما قاموا بنسف ميناء ايلات قبل حرب أكتوبر.. وتدمير سفينتين كانتا تهاجم مواقعنا عند البحر الأحمر.. وحصل الفيلم على تقدير كبير من النقاد والجمهور وتم تكريم أبطاله عزت العلايلى ونبيل الحلفاوى وكاتب السيناريو فايز غالى فى اكثر من موقع ومهرجان.. وعاد مخرج (أبناء الصمت) ليقدم بعد ذلك فيلم (حائط البطولات) الذى انتج عام 1999.. لكنه تعرض لأزمة منعت عرضه لأنه كما همس البعض إلى الرئيس مبارك لم يهتم بالضربة الجوية التى قادها كما ينبغي.. وبعد رحيل مبارك تم عرضه ولم يحقق النجاح المنتظر.. وان كان يحسب لمحمد راضى اهتمامه بحرب أكتوبر ولا ينافسه فى ذلك سوى زميله المخرج على عبدالخالق.. الذى قدم (يوم الكرامة) والفيلم التسجيلى (رجال وسلاح).. ومن سجلات المخابرات قدم (اعدام ميت) و(بئر الخيانة).. وقد تحدثت معه قبل رحيله وعرفت أن لديه أكثر من مسلسل وفيلم عن أكتوبر.. ولكن لم تظهر للنور.. ويمكن البحث عنها مع أسرته وتقديمها فقد تم كتابتها كاملة وتحتاج فقط إلى تعديلات بسيطة وإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة.. تمتلك الكثير عن الموضوعات التى يمكن إعدادها فى أفلام ومسلسلات فيها نماذج مبهرة للشباب.. والشارع المصرى يشتاق إلى هذه الأعمال ويكفى هذا الاحتفال الشعبى الكبير الذى واكب عرض فيلم (الممر) بطولة أحمد عز وأحمد صلاح حسنى وآياد نصار ومحمد فراج واسماء أبواليزيد وكتبه واخرجه شريف عرفة وخرج بصورة سينمائية مبهرة نظرًا للامكانات التى توافرت له بحيث كان هو الاضخم انتاجيًا قياسًا بالاعمال الأخري.