شهدت مدينة شرم الشيخ ميلاد مشهد دبلوماسى نادر، قمة لا تشبه ما قبلها، جمعت تحت قبتها 30 زعيما وقائدا من أصقاع الأرض، فى مشهد بدا وكأنه فصل جديد من التاريخ يكتب على أرض السلام، يتقدمهم الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى محاولة لصياغة واقع جديد للمنطقة، يقوم على تثبيت وقف إطلاق النار فى غزة، وإعادة الإعمار، وتأسيس رؤية استراتيجية تضمن استدامة الأمن والاستقرار. فكانت القمة رسالة للعالم بأن مصر ما زالت القلب النابض للعقل العربى، وأنها القادرة على تحويل الرماد إلى فجر جديد من السلام ، ومنذ اللحظة الأولى، بدت أجواء القمة مفعمة بالثقة والهيبة، وقف الرئيس السيسى بخطابه الهادئ العميق، ناثرا كلمات تعيد للسياسة معناها وللدبلوماسية رونقها، مؤكدا أن «اللحظة الراهنة هى الفرصة الأخيرة لإنقاذ الأمل من تحت أنقاض الحرب»، وبجواره ألقى الرئيس ترامب كلمته التى تميزت بوضوحها وقوة رمزيتها، إذ قال مخاطبا الرئيس السيسى «الجميع أراد استضافة هذا الحدث لكننا رأينا أنك القائد الأنسب»، جملة حفرت فى ذاكرة الحاضرين، لأنها لم تكن مجاملة بروتوكولية، بل شهادة دولية على ثقل الدور المصرى وحكمة قيادته فى زمن تاهت فيه البوصلات. وجاءت المناقشات داخل القاعة الكبرى على قدر الحدث، حافلة بالجدية والتقنية والعمق السياسى ، توافقت الدول المشاركة على خطوط عريضة لمسار ثلاثى الأركان أولها تثبيت وقف إطلاق النار وتحويله إلى اتفاق دائم بضمانات دولية، وثانيها إنشاء آلية دولية لإعادة إعمار غزة بإشراف مصرى أممى مشترك، وثالثها وضع تصور مؤقت لإدارة المرحلة الانتقالية فى القطاع ، بما يكفل استعادة الخدمات الأساسية والحياة الكريمة للسكان. ومن المنتظر أن تشكل خلال الأيام المقبلة لجان فنية وأمنية لتفصيل آليات التنفيذ ، تشمل مراقبة الحدود وضمان انسياب المساعدات وإطلاق مؤتمر دولى للمانحين ، بما يعزز الثقة ويحول التعهدات إلى مشاريع ملموسة. كشفت القمة عن عمق التحول فى معادلات القوة الدبلوماسية ، فمصر عادت لتتصدر المشهد الدولى بفاعلية واتزان، والولايات المتحدة استعادت عبر ترامب دور الوسيط الفاعل، فيما اجتمعت الإرادات الإقليمية على كلمة سواء عنوانها «الاستقرار أولا» ، شرم الشيخ لم تكن اليوم مجرد مدينة مضيفة، بل منصة أعادت للعالم بوصلته، وأكدت أن صوت الحكمة ما زال قادرا على إخماد طبول الحــرب. ومع أن طريق السـلام لا يزال طويلا ومحفوفا بالعقبات ، فإن ما تحقق فى شرم الشيخ اليوم يعد خطوة استثنائية فى زمن استثنائى ، ونقطة انطلاق لمرحلة جديدة عنوانها الأمل بعد الألم. وها هى مصر، بتاريخها وجغرافيتها ، وقيادتها تثبت مرة أخرى أنها الرقم الصعب فى معادلة الشرق الأوسط، وأنها حين تتقدم الصفوف يتحول الصراع إلى حوار، واليأس إلى بداية جديدة. ومن على شاطئ السلام، كتب فصل جديد من فصول التاريخ، يحمل توقيعا مصريا خالصا «نصنع التاريخ … لا ننتظره»