ماذا بعد اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس ترامب والتأهب لدخول المرحلة الثانية هل بإمكاننا القول ان الصراع انتهي؟ الإجابة بمنتهى الوضوح: لا.
العالم كله يعلم أن الرئيس الأمريكى ترامب ضغط بالفعل على رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو للقبول بالهدنة وتحقيق اللحظة الأمريكية المبتغاة وأخذ اللقطة المهمة فى هذا الملف لكن هذا لا يمنع من أنه حين يخف الضغط على نتنياهو قد يعود للتصعيد لاسيما بعد أن يفك ترامب ارتباطه بالشرق الأوسط، وهو ما قد يعيد فتح الباب أمام مواجهات متجددة وعدوان جديد على غزة، وربما يجمد أى طموحات لترامب فى تحقيق تسوية إقليمية أوسع وقد يستغل نتنياهو هذه الظروف مع اقتراب انتخابات 2026 لإنقاذ مستقبله السياسى لاسيما أيضا أن خطة ترامب قد تركت أغلب بنودها التفاوض لوضع التفاصيل وهناك سؤالان لم تتم الإجابة عليهما حول: ما سيأتى بعد ذلك؟ وما هى المدة التى يستغرقها إنشاء قوة أمنية جديدة لغزة وحتى الآن، يبدو أن حماس استأنفت دورها السابق؟
التحدى الأكبر من وجهة نظرى يكمن فى بناء سلام حقيقى، بناء على قرارات الشرعية الدولية يتمثل فى بديل واحد لا ثانى له وهو» حل الدولتين» وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيه 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهو مطلب عربى ودولى وفى هذا الشأن تحديدا نلاحظ أن خطة ترامب اكتفت بحديث عام عن مسار موثوق نحو الدولة الفلسطينية!، وهذا مرفوض علنا من نتنياهو وحلفائه، ولا دلائل على تحرك فعلى لتحقيقه، لاسيما أيضا أن الرئيس ترامب لم يبد اهتماما حقيقيا بتطلعات الفلسطينيين بل ولم يذكر نصا مصطلح «حل الدولتين» فى قمة شرم الشيخ!، واعتبر أن إعادة إعمارغزة فرصة اقتصادية أكثر منها خطوة للمصالحة السياسية.
يراهن الرئيس ترامب على إمكانية التحول بسرعة من وقف إطلاق النار فى قطاع غزة إلى تحقيق سلام إقليمى أوسع فى الشرق الأوسط مع اعتقاده أن عامين من الحرب غيرا المنطقة لدرجة أنه يمكن معها تنحية العداوات -التى استمرت عقودا- جانبا وهذه فى رأيى رؤية أكثر تفاؤلا وانعكست بشكل واضح فى لغة ترامب وحديثه سواء فى الكنيست أو فى شرم الشيخ فأمام أعضاء الكنيست، وبعد الإفراج عن المحتجزين المتبقين لدى حركة حماس، تحدث ترامب لما يزيد عن ساعة كاملة عن إنجازه وخطته، وقال «هذه ليست فقط نهاية الحرب، هى نهاية عصر الرعب والموت، بداية عصر الإيمان والأمل بالله» لكن هذا التفاؤل قد يصبح لا محل له فى ظل عدم إزالة أسباب الصراع فى أماكنه على امتداد الشرق الأوسط.
مع الأسف الواقع يبدو أكثر تعقيدا، وقد تظهر تصدعات مستقبلية فى خطة ترامب فالجانب الإسرائيلى غير مضمون وفى أى لحظة قد ينقلب على الاتفاق بعد المرحلة الأولى ولعله بدأ ذلك مبكرا فبعد أقل من ساعتين على خطاب ترامب بالكنيست.
طل وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس، وقال إن الجيش الإسرائيلى سيواصل العمل على نزع سلاح حماس وتدمير أنفاقها إلى جانب فريق دولى تشرف عليه الولايات المتحدة.. وهذا قد يوصف خطة ترامب على أنها فقط اتفاق لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، ولكنها ليست تسوية سلمية شاملة بين العرب والإسرائيليين وليست وصفة لعصر ذهبى جديد فى المنطقة كما ادعى ترامب رغم تعهده بتوسيع نطاق صنع السلام ليشمل الشرق الأوسط الأوسع، وتوسيع نطاق اتفاقيات التطبيع (الإبراهيمية)، بيد أن قدرة ترامب على السعى إلى تسوية إقليمية أوسع ستختبر من خلال ما سيقوم به بعد توقف القتال فى غزة، وإذا ما كان سيمهد الطريق لمسار حل الدولتين أم لا.
أتصور أن إنهاء الحرب كان الجزء الأسهل، وأن إدارة ترامب بالغت عمدا فى الترويج للتطبيع بين إسرائيل والعرب بينما قللت من أهمية مسار الدولة الفلسطينية، لذلك الأمر سيتطلب المزيد من الدبلوماسية المكثفة للتوصل إلى تسوية شاملة، مع تركيز كبير من الرئيس الأمريكى على القضية وممارسة ضغوط مستمرة على إسرائيل للالتزام بشروط وقف إطلاق النار وخطة السلام وإلا فإن نتنياهو سيستخدم جميع الوسائل المتاحة لتقويض الاتفاق وانتهاك وقف إطلاق النار.








