دخل مكتبى بابتسامة خجولة يشوبها القلق.. رجل تجاوز الستين من عمره.. تجمع ملامحه بين القوة والضعف.. كان يحاول أن يبدو صامدًا.. لكن عينيه كانتا تفضحان ارتباكه.. وبخطوات مترددة وضع يده على المكتب كمن يبحث عن سندٍ فى لحظة وهن، ثم قال بصوتٍ خافت: أحتاج إلى عملية جراحية بسيطة على حساب التأمين الصحي، لكننى خائف، مشكلتى ليست المرض أو العملية أو حتى التكلفة، ولكن الخوف نفسه (بخاف من فكرة العمليات الجراحية).
كانت كلماته تنطق بخوف لا علاقة له بالألم الجسدي، ربما من معاناةٍ ممتدة لم يجد خلالها من يطمئنه يومًا، حاولت أن أبدّد ما يثقل قلبه، فسألته عن تفاصيل حالته، قال إن الطبيب نصحه منذ شهور بإجراء جراحة ضرورية، لكنه ظل يتهرّب من الموعد خوفًا من سماع خبرٍ غير سار، حتى تفاقم الألم وأصبح الخوف عبئًا فوق الألم نفسه.
وفى اللحظة التى قال فيها: «أنا خرجت على المعاش من فترة، والنقابة التى كنت أنتمى إليها عرضت مشكورة أن تتحمل جزءًا كبيرًا من تكلفة العملية فى مستشفى خاص محترم، لكننى بصراحة لا أقدر على سداد الباقي، لذلك فكّرت أن ألجأ إلى التأمين الصحي، لأنه وجهة الدولة التى تسند الناس فى مثل ظروفي، ومع ذلك، الخوف داخلى من غرفة العمليات»
شعرت أن ما يحتاجه هذا الرجل ليس فقط علاجًا طبيًا، ولكن جرعة طمأنينة إنسانية تسبق أى دواء.
مددت يدى إلى هاتفى وتواصلت مع الهيئة العامة للتأمين الصحي، أعلم جيدًا من خلال عملى معهم أنهم لا يتأخرون عن أى استغاثة تصلهم، وأنهم دائمًا فى الصفوف الأولى حين يتعلق الأمر بصحة المواطن.
قصصت لهم ما قاله المريض، ليس فقط من الناحية الطبية، بل من الناحية الإنسانية أيضًا، وجاء الرد سريعًا ومبشّرًا؛ حيث تم توجيهه على الفور إلى عيادة الجراحة بالفرع التابع له، مع تحديد موعد عاجل للكشف.
بعد أيام قليلة، عاد الرجل لكن هذه المرة بابتسامة مختلفة تمامًا، وقال بحماس: «روحت فعلاً وقابلت الدكتور محمد السيد، الجراح الذى سيجرى لى الجراحة، واستقبلنى بشكل أبهرنى بكل ذوق وإنسانية وشرح لى كل شيء بهدوء، وقال لى العملية بسيطة وهتخرج فى نفس اليوم، كلامه جعلنى أشعر إنّنى لست لوحدي».
وبالفعل، تم تجهيز الأوراق بسرعة، وحدد الطبيب موعد العملية فى أقرب وقت ممكن، لم يعد الخوف سيد الموقف، بل حلّ مكانه شعور بالأمان والرضا.
وهنا أدركت أن ما فعله التأمين الصحى لم يكن مجرد إجراء إداري، ولكنه عمل إنسانى متكامل أعاد الثقة فى المنظومة الطبية، وأكّد أن الدولة حين تضع صحة المواطن على رأس أولوياتها، فإنها تمس قلبه قبل جسده.
انتصر المرض على المعركة التى خاضها ضد خوفه، بمساندة مؤسسات الدولة التى وجدت لتكون حلقة وصل حقيقية بين المواطن وحقه فى الأمان لتقول له لست وحدك.