فى ضوء التوجيهات المستمرة من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بدعم التعليم العالى والبحث العلمى وتعزيز القوة الناعمة المصرية فى مجالات الثقافة والعلوم والمعرفة، تقوم وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بدور محورى فى ترسيخ هذا الدور الريادى لمصر على المستويين الإقليمى والدولى.
وتُعد اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو ـ ألكسو ـ إيسيسكو» إحدى المنصات الوطنية التى تتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية فى مجالات التربية والعلم والثقافة، وتُجسد التزام الدولة المصرية بالتكامل الدولى فى بناء المعرفة وتبادل الخبرات.
ومنظمة اليونسكو هى الذراع المعنية بالتربية والعلم والثقافة التابعة للأمم المتحدة، وتهدف إلى تعزيز السلم والتنمية من خلال التعليم والعلوم والابتكار الثقافى.
أما منظمة الإيسيسكو فهى منظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة، وتُعنى بتعزيز التعاون بين الدول الإسلامية فى مجالات المعرفة والتنمية البشرية والابتكار.
بينما تُعد منظمة الألكسو «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» إحدى أذرع جامعة الدول العربية، وتعمل على توحيد الجهود العربية فى مجالات التعليم والبحث العلمى واللغة والثقافة، وترسيخ الهوية العربية فى إطار التعاون الدولى.

وتُعد اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة إحدى المنصات الوطنية التى توحد جهود الدولة مع هذه المنظمات الدولية فى تحقيق التكامل فى مجالات التعليم والعلوم والثقافة، وتنفيذ الرؤية المصرية لبناء الإنسان وتنمية الوعى والمعرفة فى إطار رؤية مصر 2030 والاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى 2030، والتى قامت على سبعة مبادئ أساسية يأتى فى مقدمتها المرجعية الدولية، والاتصال المؤسسى، والاستدامة، والجودة، والتكامل بين التعليم والبحث والابتكار، وتعزيز الشراكات الدولية، وربط التعليم بالتنمية المستدامة.
وتعد مصر أحد الشركاء الرئيسيين الذين أسهموا فى تأسيس التعاون الدولى مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، وتعمل الوزارة من خلال اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، التى أُنشئت مع بداية تأسيس المنظمة فى أواخر الأربعينيات، على تعزيز مشاركة مصر فى المجلس التنفيذى والمؤتمر العام، بما يرسّخ مكانتها كدولة مؤثرة فى القرار الثقافى والتربوى العالمى.


إن فوز الدكتور خالد العنانى بمنصب المدير العام لليونسكو، كأول مصرى وعربى يتولى هذا المنصب الرفيع بعد حصوله على خمسة وخمسين صوتًا من أصل سبعة وخمسين، يعد إنجازاً وطنياً باهراً يجسد الثقة الدولية فى الكفاءات المصرية، ويؤكد المكانة التى تستحقها مصر فى مجالات الثقافة والتعليم والعلوم.
وقد جاء هذا الفوز ثمرة جهد وطنى منسق على أعلى مستوى، قادته وزارة الخارجية المصرية من خلال اللجنة التنسيقية الوطنية التى شكّلها رئيس مجلس الوزراء، وشاركت فيها مختلف الوزارات والمؤسسات الوطنية، ومن بينها اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، التى عملت فى تنسيق كامل ومستمر مع وزارة الخارجية لدعم المرشح المصرى، وتوحيد الموقف الوطنى على المستويين الدبلوماسى والفنى، وهو ما كان له أثر محورى فى تحقيق هذا الفوز الكبير الذى رفع اسم مصر عاليًا داخل أروقة اليونسكو.
المؤكد أن فوز الدكتور شريف شاهين بمنصب نائب رئيس لجنة «ذاكرة العالم» للمنطقة العربية، كإنجاز مصرى آخر مهم، فهذه اللجنة التى تُعد مصر من الأعضاء المؤسسين لها، وتُسهم من خلالها فى حفظ التراث الوثائقى الإنسانى وتوثيق الذاكرة التاريخية والفكرية للمنطقة العربية كجزء أصيل من التراث الإنسانى العالمى.
وهنا لابد أن نؤكد على أهمية الدور الذى تضطلع به اللجنة الوطنية المصرية فى برنامج «ذاكرة العالم» الدولى التابع لليونسكو، الذى يُعد من أبرز المبادرات العالمية المعنية بصون التراث الوثائقى الإنسانى، حيث تشارك مصر بفاعلية فى تسجيل وحماية الوثائق والمخطوطات العربية والإفريقية بما يعكس عمق إسهاماتها الحضارية والمعرفية.

ولم يتوقف الانجاز عند هذا فقد فازت منصة «مهارة تك» MaharaTechبجائزة اليونسكو عن فئة الاستخدام المسئول للتكنولوجيا فى التعليم، وهو نموذج مصرى يُجسّد التحول الرقمى فى التعليم وتمكين الشباب من مهارات المستقبل.
وخلال الفترات الماضية هناك اهتمام بشكل خاص ودعم الجامعات المصرية فى إنشاء مزيدٍ من كراسى اليونسكو، مثل كرسى التراث الثقافى غير المادى بجامعة الإسكندرية وكرسى التنمية المستدامة بجامعة عين شمس، تعزيزًا لجسور التعاون الأكاديمى مع المؤسسات البحثية الدولية.
كما يجرى التنسيق لزيادة المشاركة المصرية فى زمالات وبرامج اليونسكو الدولية فى العلوم الطبيعية والهندسية، فضلًا عن الجوائز الدولية لمحو الأمية لعامى 2024 و2025، فى إطار خطة وطنية لتوسيع مسارات التمويل الدولى وتعزيز الاعتراف بالكفاءات المصرية والعربية فى مجالات العلوم والثقافة والتعليم.
كما نعمل على رفع الوعى داخل الأوساط الأكاديمية بقضايا التربية والعلوم والثقافة من خلال مؤتمرات وطنية وإقليمية، إلى جانب تعزيز القاعدة الوطنية للذكاء الاصطناعى وربطها بالسياسات التعليمية والتكنولوجية، دعمًا للتحول نحو التعليم الذكى المستدام. كما تسهم الوزارة فى دمج مفاهيم الاستدامة فى تخطيط المدن التعليمية والثقافية والإنتاجية، بما يعكس توجه الدولة لبناء مجتمعات متعلمة ومبدعة.

وتُعد تجربة بنك المعرفة المصرى من أبرز التجارب الوطنية التى تحظى بتقدير دولى، إذ وثقت اليونسكو فى هذه التجربة وشاركت فى دعم جهود تحويلها إلى منصة دولية للتعلم والمعرفة، تخدم الباحثين فى الدول الإفريقية والعربية، وتسهم فى تطوير منظومات البحث العلمى والنشر الدولى، وتعزيز ثقافة الابتكار والإتاحة المعرفية للجميع.
لابد أن أشيد أيضا بدور الأكاديمية الدولية للعمارة والعمران التى أطلقت فى 16 سبتمبر 2025 بحضور السيد رئيس الوزراء وممثلى اليونسكو، باعتبارها نموذجًا متكاملًا للتعاون العلمى والثقافى يجمع بين التعليم والهندسة والفكر الحضارى، وتعمل الأكاديمية على دعم التعليم من أجل التنمية العمرانية وإعداد كوادر قادرة على تطوير المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة وفق مبادئ الاستدامة والتوازن البيئى، وإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بالكوارث أو الحروب، إلى جانب دمج الثقافة بالعمارة من خلال برامج دولية لتبادل المعرفة، بما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمى للابتكار العمرانى والتعليم المعمارى المتطور.
وتهتم الدولة بالحفاظ على التراث العالمى، ونثمن التعاون القائم مع منظمة اليونسكو فى مشروعات صون التراث الثقافى بمدينة القاهرة التاريخية، والتى تُعد واحدة من أهم المدن المسجلة على قائمة التراث العالمى، حيث يتم تنفيذ برامج لترميم المبانى الأثرية وإعادة توظيفها ثقافيًا بما يضمن استدامتها ويُبرز الطابع التاريخى الفريد للعاصمة المصرية.
كما تسهم الوزارة فى دعم برامج المحميات الطبيعية والمحيط الحيوى التى تشرف عليها اليونسكو، من خلال تطوير القدرات الوطنية لإدارة المحميات المصرية مثل وادى الحيتان ووادى الريان وسيوة، بما يعزز التكامل بين حماية البيئة والتنمية المجتمعية.
وهذه الجهود تأتى فى إطار حرص الدولة على دمج مفاهيم الاستدامة البيئية والثقافية فى سياساتها الوطنية، وتوسيع مشاركتها فى برامج اليونسكو الخاصة بالمدن الإبداعية والمواقع التراثية والمحيطات الحيوية، بما يُبرز الدور الرائد لمصر فى الربط بين الثقافة والتنمية المستدامة، ويؤكد مكانتها كدولة تجمع بين الأصالة والتجديد.
وفى إطار التعاون مع منظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو»، وتفخر بأن إطلاق عام الشباب للإيسيسكو تم من جمهورية مصر العربية، ليكون عامًا استثنائيًا يركز على الابتكار وتمكين الشباب، وشهد تنفيذ فعاليات متعددة أبرزها محاكاة اللجان الوطنية والمجلس التنفيذى والمؤتمر العام، إضافة إلى أنشطة الابتكار وريادة الأعمال وتنمية المهارات المستقبلية. كما تعمل الوزارة على توسيع شبكة المدارس المنتسبة للإيسيسكو وتطوير مناهج رقمية حديثة لتعزيز الوعى الثقافى والتكنولوجى بين الشباب.
وتُسهم الوزارة فى دعم إنشاء كراسى علمية جديدة للإيسيسكو داخل الجامعات المصرية فى مجالات الابتكار وريادة الأعمال والتعليم الأخلاقى بالذكاء الاصطناعى، إلى جانب برامج تمكين المرأة فى البحث العلمى والقيادة الأكاديمية.
وتُعد مبادرة» كُن مستعدًا» Be-Ready نموذجًا وطنيًا رائدًا نعمل من خلالها على تأهيل الشباب المصرى لمهارات المستقبل وربط التعليم الجامعى بسوق العمل، وهى مبادرة حظيت بإشادة واسعة من الدول الأعضاء فى الإيسيسكو.
وعلى صعيد التعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، تعمل على تنفيذ برامج تدريبية وورش عمل متقدمة حول تحليل البيانات الضخمة لخدمة التنمية المستدامة، وتطبيقات البلوك تشين فى التعليم، والاستشراف الاستراتيجى وصناعة القرار، بما يجعل من مصر مركزًا عربيًا للابتكار الرقمى والمعرفى. ونعمل على دعم المدارس المنتسبة للألكسو وتعزيز مكانة اللغة العربية والثقافة العلمية فى الأجيال الجديدة.
وأسهمت مصر من خلال الألكسو فى مشروعات إحياء مسار العائلة المقدسة، وتعزيز الاهتمام الدولى بالتراث المصرى عبر المحافل الثقافية الدولية. كما يجرى التعاون لإنشاء كراسى علمية جديدة للألكسو فى الجامعات المصرية، تُعنى بالثقافة الرقمية واللغة العربية والتكنولوجيا التعليمية، وتطبيق تحليل البيانات الضخمة فى حماية المواقع الأثرية والبيئة.
فى النهاية نعرب عن فخرنا بفوز أحد الباحثين المصريين بجائزة الألكسو للباحثين الشباب فى العلوم التطبيقية، كما نعرب عن اعتزازنا باختيار الفنان الكبير الدكتور يحيى الفخرانى «شخصية ثقافية لعام الألكسو»، تقديرًا لعطائه الفنى وإسهاماته فى تعزيز الوعى العربى من خلال الدراما والفن، وهو تكريم يُجسد ريادة مصر فى تشكيل الوجدان العربى وترسيخ صورتها كمنارة للفن والإبداع الإنسانى.
إن ما يتحقق اليوم من إنجازات فى مجالات التعليم والعلوم والثقافة هو ثمرة دعم القيادة السياسية المستنيرة التى تضع الإنسان المصرى فى قلب التنمية، وتؤمن بأن الاستثمار فى العقول هو الاستثمار الأمثل للمستقبل.
ومصر ماضية بعزم نحو المستقبل، رافعة راية العلم والثقافة، مستندة إلى تاريخ عريق، ورؤية وطنية واضحة، وإرادة لا تعرف المستحيل.