لم يعد الخطر قادمًا من وراء الحدود، بل من خلف الشاشات.. لم يعد العدو يحمل سلاحًا ظاهرًا، بل فكرة مغلّفة بمحتوى رقمي مُضلِّل يُبث عبر الهواتف والحواسيب إلى ملايين الشباب في ثوانٍ.
في هذا العصر الذي تتحكم فيه الخوارزميات بالعقول، أصبح الوعي الوطني هو السلاح الأقوى.. وأضحى ما يُعرف بـ «الجهاد الرقمي» ساحة جديدة لحربٍ لا تُطلق فيها الرصاصات، بل تُزرع فيها الأفكار.
إن أخطر ما تواجهه الأمة اليوم ليس فقط الإرهاب المسلح، بل الإرهاب الفكري والإعلامي الذي يسعى لتزييف الحقائق وتفكيك الهوية.
في زمن تُدار فيه الأمم من خلف الشاشات، يصبح من لا يُجيد “القتال بالمعلومة” ضحية سهلة في حربٍ بلا دماء ولكنها لا تقل خطورة.
إن ما يفعله المتطرفون على المنصات الرقمية هو استغلال لضعف الوعي وغياب الثقافة الرقمية، لكن الرد الحقيقي لا يكون فقط بالحجب أو المنع، بل بصناعة خطاب بديل قوي ومستنير يقدّم الحقيقة بلغة العصر، ويجذب العقول بدل أن يتركها فريسة للتضليل.
وهذا ما تقدمه دار الإفتاء المصرية التي تخوض مواجهة فكرية شاملة، بخطاب يؤكد إدراك الدولة المصرية العميق لخطورة هذا النوع من الحروب الجديدة.
وهنا تبرز أهمية الدور المشترك بين المؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية في بناء حصانة فكرية قادرة على مواجهة دعاوى الفوضى والكراهية.
إن الجهاد الرقمي بمعناه الصحيح لا يعني التحريض أو الصدام، بل هو نضال وطني ومعرفي لحماية العقول وبناء الوعي العام. فالمواطن الذي يتحقق من المعلومة قبل نشرها، وينشر محتوى إيجابيًا، ويدافع عن وطنه بصدق عبر الكلمة، هو شريك حقيقي في أمن بلاده.
لكن هذه المعركة تتطلّب وعيًا وأخلاقًا؛ فالجهاد الرقمي ليس صراخًا في الفراغ أو تحريضًا ضد الآخر، بل هو سلوك حضاري يقوم على المعرفة، والانضباط، واحترام القيم الإنسانية.
المسؤولية هنا لا تقع على الإعلاميين أو الخبراء وحدهم، بل تمتد إلى كل مستخدم للإنترنت. فالمواطن اليوم أصبح “مؤسسة إعلامية مصغّرة” قادرة على التأثير بمجرد ضغطة زر. من هنا تبرز أهمية التربية الإعلامية والرقمية كدرع واقٍ من التضليل ومصدراً لقوة الوعي الجمعي، وبناء حصانة فكرية في وجه الزيف العالمي المتقن الصنع.