في تأكيد جديد على مكانته الرائدة وريادته العالمية في أبحاث الأمراض المتوطنة، شارك معهد تيودور بلهارس للأبحاث، أعرق المراكز البحثية في الشرق الأوسط المتخصصة في أمراض الكبد والجهاز الهضمي والبلهارسيا، في فعاليات المؤتمر العلمي الذي نظمته جامعة توبنجن الألمانية تحت عنوان: “مائتا عامًا من أبحاث البلهارسيا في ألمانيا وخارجها”، بمناسبة مرور مائتي عام على ميلاد العالم الألماني تيودور ماكسميليان بلهارس، مكتشف ديدان البلهارسيا في مصر.
نظم المؤتمر كل من معهد طب المناطق الحارة بجامعة توبنجن بالتعاون مع جامعة جوستوس ليبيج في جيسن بألمانيا وجامعة ميونيخ التقنية بألمانيا ومركز البحوث الطبية بالجابون، بمشاركة نخبة من العلماء والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
وقد مثل مصر في هذا الحدث العلمي الكبير الأستاذ الدكتور أحمد عبد العزيز، القائم بأعمال مدير معهد تيودور بلهارس للأبحاث ورئيس مجلس الإدارة، حيث ألقى محاضرة بعنوان: “دور العالم تيودور بلهارس في مصر – معهد تيودور بلهارس: قصة نجاح وامتنان“.
استعرض الدكتور عبد العزيز خلالها تاريخ مرض البلهارسيا في مصر واكتشاف الطبيب الألماني تيودور بلهارس لمسبباته، كما تناول الجهود الوطنية للقضاء على المرض بدءًا من حملات وزارة الصحة والمبادرات القومية، مرورًا بالدور المحوري لمعهد تيودور بلهارس في الأبحاث والتشخيص والعلاج، مما أسهم في انخفاض معدلات انتشار المرض في ربوع مصر إلى أدنى مستوياتها.
كما أوضح الدكتور أحمد عبد العزيز إمكانيات المعهد البحثية والطبية، مشيرًا إلى ما يقدمه من خدمات تدريبية وبحثية من خلال وحدة المواد البيولوجية، ووحدة الأجسام المضادة أحادية النسيلة، ومركز التعاون مع منظمة الصحة العالمية. كما استعرض إمكانيات مستشفى المعهد التي تضم عدد 307 أسرة وغرف عمليات متطورة مجهزة على أعلى مستوى، تقدم خدمات تشخيصية وعلاجية شاملة في أمراض الكبد والجهاز الهضمي والكلى والمسالك البولية ومضاعفاتها.
كما سلط الدكتور عبد العزيز الضوء على مشاركة المعهد الفاعلة في المبادرة الرئاسية للقضاء على فيروس سي، مشيدًا بنجاح هذه المبادرة التي شملت أيضًا مرضى فيروس بي والتليف الكبدي، وذلك من خلال وحدات الكبد المتخصصة بالمعهد.
وقد تميز المؤتمر بمحتوى علمي ثري، إذ تضمن ثماني جلسات رئيسية للعروض التقديمية وجلستين للملصقات البحثية، بمجموع 42 محاضرة علمية و47 ملصقًا بحثيًا، تناولت كل ما يتعلق بمرض البلهارسيا منذ اكتشاف الديدان المسببة له على يد تيودور ماكسميليان بلهارس وحتى الآن، حيث دارت محاور المؤتمر حول تاريخ مرض البلهارسيا، أبحاث البيولوجيا الجزيئية والعلاقة بين الطفيل والعائل، تشخيص المرض وتأثيره على الأطفال والحوامل، دراسة القواقع الناقلة للمرض، العلاقة بين البلهارسيا وجهاز المناعة والميكروبيوم المعوي، طرق التشخيص الحديثة للمرض باستخدام الذكاء الاصطناعي، استعراض نتائج بعض الأبحاث عن تطوير استراتيجيات مكافحة المرض، وتطوير لقاحات جديدة، بالإضافة إلى الدراسات الميدانية التي قدمها الباحثون من بعض الدول الأفريقية.
أما الملصقات البحثية فقد تناولت تحليل التنوع الوراثي بين سلالات البلهارسيا المختلفة في أفريقيا، أبحاث عن التغيرات الجزيئية والطفرات التي تؤثر على شدة المرض، تطوير أدوية جديدة ضد البلهارسيا وتحسين فعالية دواء “برازيكوانتيل“، تأثير مرض البلهارسيا على الحمل والأجنة، تأثير العدوى على الكبد والطحال، أبحاث حول الأنيميا والعدوى المزدوجة بالملاريا والبلهارسيا، أبحاث عن النماذج الرياضية لتوقع انتشار المرض والسيطرة عليه، استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم خرائط انتشار العدوى.
ولقد شهد المؤتمر مشاركات دولية واسعة من إنجلترا وسويسرا وهولندا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية والنمسا ومصر وغانا ومالاوي ونيجيريا وبنين ومدغشقر وتنزانيا والكاميرون والكونغو الديمقراطية والجابون.
كما وجه الدكتور أحمد عبد العزيز الشكر للأستاذة الدكتورة نجوى الخفيف، الأستاذ بقسم الميكروسكوب الإلكتروني بالمعهد، لدورها كمنسق لمشاركة المعهد في هذا الحدث الدولي الهام والتواصل مع منظمي المؤتمر بألمانيا، كما أشاد بمشاركة الأستاذ الدكتور محمد الوشاحي، أستاذ المسالك البولية بالمعهد، في المؤتمر.
وعلى هامش فعاليات المؤتمر، أجرى الدكتور أحمد عبد العزيز مقابلة مع البروفيسور أمادو جاربا دجيرماي (Amadou Garba Djirmay)، العالم المتخصص في مرض البلهارسيا بالمقر الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية في جنيف. تناولت المباحثات الدور الريادي لجمهورية مصر العربية في مجال مكافحة الأمراض المدارية المهملة وفي مقدمتها البلهارسيا، من خلال معهد تيودور بلهارس للأبحاث، باعتباره مركزًا مرجعيًا إقليميًا معتمدًا من منظمة الصحة العالمية، يسهم في دعم جهود الدول الإفريقية من خلال برامجه التدريبية والتعاونية.
وقد أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون المشترك لتصدير التجربة المصرية الرائدة في القضاء على البلهارسيا، من خلال تنظيم بعثات من الباحثين والمتخصصين من معهد تيودور بلهارس إلى عدد من الدول الإفريقية، بهدف نقل الخبرات المصرية، خاصة بعد إعلان مصر خلوها التام من المرض، ودعم جهود الدول الإفريقية والنامية لتحقيق الهدف ذاته، وتقديم الدعم الفني والعلمي لتعزيز قدرات تلك الدول في مواجهة مرض البلهارسيا، بما يتماشى مع استراتيجيات منظمة الصحة العالمية للقضاء على الأمراض المدارية المهملة بحلول عام 2030.
كما دارت مناقشات موسعة بين معهد تيودور بلهارس للأبحاث ومعهد طب المناطق الحارة بجامعة توبنجن الألمانية، بشأن إعداد بروتوكول تعاون مشترك يهدف إلى تعزيز التعاون في المجالات البحثية والطبية، وتبادل المعارف والخبرات في أبحاث أمراض المناطق الحارة ومضاعفاتها. وتأتي هذه الخطوة في إطار تأكيد الدور المحوري لمعهد تيودور بلهارس في بناء شراكات علمية دولية تسهم في تطوير الخدمات الطبية والارتقاء بجودتها، بما ينعكس إيجابًا على صحة الإنسان إقليميًا ودوليًا.



