إن طريق الإصلاح طويل وشاق، لا يقطعه إلا من أيقن أن الثمار لا تُجنى في اليوم الذي تُزرع فيه البذور. فالمصلح الحقيقي لا يعمل طلبًا للثناء أو بحثًا عن المجد الشخصي، بل يعمل لأن في قلبه إيمانًا بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأن الخير الذي يزرعه اليوم سيؤتي أكله غدًا ولو بعد حين.
الجيل الذي يزرع بإخلاص لا ينتظر أن يحصد بنفسه ثمار ما زرع، لأنه يدرك أن لكل جيل دوره في البناء، وأن الحياة تسير في حلقات متصلة يكمل فيها اللاحق ما بدأه السابق. من يزرع شجرة اليوم، فقد لا يجلس في ظلها غدًا، لكنه يفرح وهو يعلم أن أبناءه أو أبناء غيره سينعمون بظلها وثمرها. تلك هي فلسفة المصلحين: أن يعملوا لا لأنفسهم، بل لأمتهم وللأجيال القادمة.
إن الإعمار والتعمير في الأرض غاية سامية، لا تتحقق إلا بروح الإخلاص والصبر. أما استعجال النتائج والرغبة الجامحة في النجاح السريع، فهما من أكثر ما يبدد الجهود ويضيع الفرص. كم من أمة استعجلت فخسرت، وكم من أمة صبرت فحققت المجد.
هناك أمم تخطط لمئات السنين، ترسم الطريق للأجيال القادمة دون أن تنتظر أن تسير عليه بنفسها. هؤلاء يدركون أن الإصلاح مشروع حضاري ممتد، لا يتحقق في جيل واحد، بل هو ثمرة تراكم الجهود عبر الزمن. إنهم يزرعون لبنة فوق لبنة بثبات وصبر، لأنهم يعلمون أن من استعجل قطف الثمار قبل نضوجها، أفسدها.
المصلحون لا يتعجلون النجاح، لأنهم يدركون أن النجاح الحقيقي ليس في أن يُذكر اسمهم، بل في أن تبقى آثارهم. فهم يزرعون الخير في أرضٍ قد لا يرونها تثمر بأعينهم، لكنهم يرونها بقلوبهم العامرة بالإيمان والأمل. الإصلاح عندهم ليس غاية شخصية، بل رسالة إنسانية عظيمة، يضربون فيها المثل للأجيال بأن البناء لا يتم إلا بالصبر، وأن المجد لا يُنال إلا بالثبات والإخلاص.