لقد مثل انعقاد قمة شرم الشيخ للسلام مؤخرا والتى جمعت قادة أكثر من ثلاثين دولة، بما فى ذلك الرئيس الأمريكى وقيادات إقليمية ودولية بارزة، لتوقيع اتفاق إنهاء الحرب فى قطاع غزة والبحث فى إعادة الإعمار، لحظة فارقة تؤكد المكانة المحورية والريادية لمصر كدولة كبيرة لا غنى عنها فى معادلات الأمن والاستقرار الإقليمي. ولقد تجاوز دور مصر مجرد الوساطة ليصبح ضامنًا وراعياً دوليًا للسلام، ومؤكداً على أن مصر لم تتحول إلى دولة كبيرة بالصدفة، بل نتيجة لجهود متراكمة فى تعزيز القوة الدبلوماسية، مدعومة بإصلاحات اقتصادية هيكلية ورؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع التحديات الجيوسياسية.
لقد برزت القمة الأخيرة كاختبار حقيقى للثقل الدبلوماسى المصري، حيث نجحت القاهرة، عبر مفاوضات معقدة ومضنية، فى احتضان هذا التجمع الدولى الهام فى مدينة السلام، مما وضعها فى صدارة المشهد السياسى العالمى «كصانعة قرار» لا مجرد «متلقية»، وأكد دورها كجسر للتواصل بين الأطراف المتصارعة والقوى الكبري، وهو ما يعد علامة بارزة للدول الكبرى التى تملك القدرة على حشد الإرادة الدولية على أرضها. إن نجاح مصر فى التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين، ليس مجرد انتصار دبلوماسي، بل هو تثبيت لمفهوم الدولة المحورية التى تستخدم نفوذها لخدمة قضايا الأمن والسلم الدوليين.
وقد أسست هذه القمة الأخيرة فى شرم الشيخ لمرحلة جديدة من الدور المصرى الإقليمي، تميزت بثلاثة أبعاد رئيسية، وهى استعادة مصر لمركزها كمرجعية أولى للوساطة فى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما أكسبها ثقة الأطراف المتعددة، بما فى ذلك القوى العالمية التى شاركت فى القمة كضامنين ومراقبين. ولعبت مصر دورًا حاسمًا فى تأمين حدودها ومنع تصفية القضية الفلسطينية من خلال رفض أى محاولات للتهجير القسري، ما عزز من مكانتها كقوة حامية للاستقرار. ولم يقتصر دور مصر على إنهاء الحرب فحسب، بل امتد إلى الدعوة لحوار فلسطينى شامل فى القاهرة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، والتحضير لمؤتمر دولى لإعادة إعمار غزة، وهو ما يعكس نظرة استراتيجية للسلام المستدام، لا مجرد الهدنة المؤقتة.
إن القوة الدبلوماسية التى تجلت فى قمة شرم الشيخ مدعومة بقوة اقتصادية آخذة فى التبلور، وهى أحد المؤشرات الحقيقية لتحول مصر إلى دولة كبيرة، حيث تسعى القاهرة إلى تحويل مركزها الدبلوماسى إلى مكاسب اقتصادية واستثمارية. لقد مثلت القمة فرصة لعرض المشاريع القومية الكبرى (مثل مشروعات الطاقة والنقل والتحول الأخضر) أمام قادة ورؤساء الشركات الدولية، مما يسرّع من تدفق الاستثمارات الأجنبية، خاصة مع وجود دعم دولى واضح من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية العالمية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى المصري. وتضع مصر نفسها فى صميم عملية إعادة إعمار غزة، مستفيدة من قربها الجغرافى وقدراتها اللوجستية،
وتقف الإرادة الوطنية الصلبة والاستقرار الداخلى كركائز مكنت مصر من القيام بهذا الدور الكبير، فالاستقرار السياسى والأمنى الذى تحظى به مصر، مدعومًا باستثمارات غير مسبوقة فى البنية التحتية كالطرق والموانئ والمناطق الصناعية، هو ما يجعلها قادرة على استضافة القمم العالمية الكبرى بكفاءة، ويوفر بيئة آمنة وموثوقة لأى خطط سلام وإعمار تتطلب التعاون الدولي. لقد أثبتت مصر قدرتها على الصمود الاقتصادى أمام الأزمات الإقليمية، مستفيدة من مرونة اقتصادها وتنوع مصادر دخلها، لتتحول من دولة تعانى من تحديات داخلية إلى «مرتكز للاستقرار» يراهن عليه العالم. إن قمة شرم الشيخ للسلام فى أكتوبر الحالى هى تتويج لمسار طويل لمصر كقوة إقليمية ضاربة، حيث تحولت من مجرد دولة عظمى تاريخيًا إلى دولة كبيرة حاليا، تستمد قوتها من توازن دبلوماسى حكيم، وقوة اقتصادية متنامية، واستقرار أمنى لا يتزعزع، لتؤكد للعالم أن الحوار أقوى من السلاح، وأن القيادة المصرية لا تصنع السلام فحسب، بل ترسم خريطة المستقبل الأمنى والاقتصادى للشرق الأوسط، ساعية نحو شرق أوسط خالٍ من النزاعات، مبنى على العدالة والمساواة.