الحقيقة الدامغة التى يجب أن يدركها الجميع أن الرئيس الأمريكى ترامب قد أنقذ الكيان الصهيونى من مزيد من الخسائر عندما تدخل بقوة وأوقف حرب غزة وأعاد الرهائن الصهاينة بعد أن فشل الجيش الإسرائيلي- رغم جرائمه غير المسبوقة فى تاريخ الحروب- فى إعادتهم والقضاء على حماس.. وهى أهداف الحرب التى كررها مجرم الحرب الصهيونى كثيرا.
لقد قتل جيش الاحتلال المجرم بأوامر من نتنياهو أكثر من 80 ألف فلسطينى وأصاب أكثر من نصف مليون ودمر غزة كلها وجعلها غير صالحة للحياة فى عدوان إجرامى استمر عامين كاملين.. لكنه رغم هذه المحصلة النهائية المؤسفة لم ينتصر ولم يحقق الأهداف التى سبق وأعلن عنها.
الكلام هنا عن خسائر العدو الصهيونى من الحرب ليس من قبيل التسلية للعرب وتخفيف وطأة هذه الحرب وتداعياتها الخطيرة عليهم سياسيا وأمنيا واقتصاديا فقد خسر الفلسطينيون والعرب جميعا خسائر فادحة فى هذه الجولة المؤلمة من الصراع الدامى الذى ارتكب العدو الصهيونى فيه أبشع وأحقر الجرائم التى شهدتها الحروب فى تاريخ البشرية.. لكن خسائر العدو الصهيونى فى هذه الحرب حقيقية وينبغى أن تكون عبرة لكل من تسول له نفسه الدخول فى مغامرات غير محسوبة جيدا.
الخسائر الكبيرة لإسرائيل صنعتها القيادة المتطرفة للكيان، فقد صورت لهم شياطينهم بأن هذه الحرب ستكون نزهة بعد حشد كل قواتهم وبعد كسب ود ومساندة الدول الغربية التى أمدتها بالسلاح والمال ووفرت لها غطاء سياسيا فى المنظمات الدولية.. لكن خيب الله مسعاهم جميعا.. فقد خاضت إسرائيل معركة طويلة ومعقدة، فبينما كانت التقديرات داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية تراهن على حسم سريع يعيد قوة الردع، جاءت الأحداث على الأرض لتكشف عن مأزق إستراتيجى غير مسبوق، فالجيش الإسرائيلى، الذى اعتاد على عمليات خاطفة وسريعة، وجد نفسه هذه المرة فى معركة استنزاف حقيقية، فالمعارك داخل غزة أوقعت فى صفوفه آلاف القتلى والجرحى، بينهم عناصر من وحدات النخبة التى تم الدفع بها إلى المناطق الأكثر تحصينا.. والعمليات البرية واجهت مقاومة شرسة تعتمد على الأنفاق والكمائن المتقنة، ما أدى إلى تدمير أو إعطاب عشرات الدبابات والعربات المدرعة.. أما «القبة الحديدية» التى طالما تغنّت بها إسرائيل، فقد واجهت ضغطًا هائلًا أمام كثافة الصواريخ الإيرانية واليمنية التى وصلت إلى عمق المدن الكبرى، كتل أبيب والقدس، لتكشف الحرب عن هشاشة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية رغم ما أنفق عليها.
** اقتصاديا.. تكبدت إسرائيل خسائر فادحة تزيد عن 300 مليار دولار ولولا الدعم العسكرى والاقتصادى الأمريكى والأوروبى فى هذه الحرب لما تمكنت من الاستمرار فى الحرب لأكثر من 3 شهور.. وسوف تظل خسائرها الاقتصادية لفترة طويلة خاصة مع تجميد عدد من الدول الأوروبية لاستثمارات وخطط تعاون اقتصادى مع اسرائيل بعد أن كشفت عن وجه حقير فى التعامل مع المدنيين فى غزة.. فلن يجرؤ مستثمر عربى بعد جرائم العدو الصهيونى غير المسبوقة على الذهاب بأمواله للاستثمار هناك.. وسيظل اقتصاد إسرائيل يدفع ثمن حماقة قيادته المتطرفة سياسيا وعسكريا.. فالمليارات تبخرت من قطاعات السياحة والاستثمار والنقل والصناعة، مع تصاعد تكاليف العمليات العسكرية.
** داخليا.. رأينا الانقسامات فى الجبهة الداخلية تظهر بحدة، والانتقادات للحكومة تتواصل بسبب طول أمد الحرب مما جسد بشكل واضح تراجع الثقة الشعبية فى العصابة التى تحكم الكيان، وشاهدنا تبادلا للاتهامات بين القيادات العسكرية والسياسية.
** الأثر النفسى والإنسانى والاجتماعى لهذه الحرب داخل إسرائيل كان كارثيا.. فقد شاهدنا المواطنين الصهاينة الذين هرعوا الى الشوارع فى حالة هيستيرية أثناء تلقى المدن المحتلة لصواريخ إيران.. فالملايين عاشوا أسابيع فى الملاجئ، وتوقفت المدارس، وتعطلت الحياة اليومية، وتصاعدت حالات القلق والاكتئاب، وارتفعت نسب اللجوء إلى الدعم النفسى، خاصة فى المستوطنات الجنوبية.
لقد فقد معظم الصهاينة الثقة فى قدرة الحكومة والجيش على حمايتهم مما دفع العديد منهم الى الرحيل الأبدى من إسرائيل والبحث عن أماكن أخرى ليعيشوا بها فى أمان.
كشفت هذه الحرب هشاشة الكيان الصهيونى والقدرة على إلحاق الأذى به وبمواطنيه فى أى حرب قادمة.
أدرك الصهاينة أن الدعم الأمريكى قد يساعدهم على العدوان على الآخرين.. لكنه لن يمنع عنهم الأذى لو دخلت إسرائيل فى حرب حقيقية مع جيوش نظامية تمتلك طائرت وصواريح حديثة ومقاتلين محترفين يعرفون كيف ينتقمون من المعتدين الآثمين.