فى زمنٍ تتشابك فيه المصالح وتختلط فيه الأوراق، يندر أن ترى فارسًا نبيلاً يمتطى جواد السياسة، متوشحًا الصدق، ومتسلحًا بالشرف، فى عالمٍ امتلأ بالحواة والسحرة والمناورين الذين جعلوا من البراغماتية مذهبًا ومن التلون أسلوب حياة.. غير أن مصر، كعادتها حين تتزاحم الظلال، تُشعل مصباح القدوة وتضرب المثل حين تترسخ المبادئ وسط عواصف التبدل، فتثبت للعالم أن الشرف فى الموقف لا يقل قوة عن السلاح، وأن النزاهة فى القيادة لا تنفصل عن الوطنية، وأن السياسة ليست حرفة المكر بل ميدان النبل حين يقودها فارس صادق.
من يتأمل تحركات مصر فى الإقليم، ويتابع بعين المتجرد علاقاتها وتعاطيها مع قضايا العالم، لا يسعه إلا أن يدرك أن قيادتها السياسية تتعامل بمنطق مختلف، منطق يقوم على الشرف لا على الشعارات، وعلى الفعل لا على الصخب، وعلى البناء لا على الهدم.. ليست بحاجة إلى بروباجندا ترفعها، لأن صدق الفعل كفيل بأن يشهد لها، والعمل المخلص لا يحتاج إلى إعلان كى يبرر وجوده. هنا تتجلى صورة الفارس النبيل الذى لا يطلب لنفسه مجدًا شخصيًا، بل يرى فى إصلاح الوطن غايته القصوي، ويؤمن أن خدمة الناس أسمى من أى رصيد سياسى.
لدينا، وبحق، فارس نبيل اسمه عبدالفتاح السيسى.. فارس اختار أن يحمل راية الإصلاح الشامل، يسير بها فى دروب شاقة، لا يلتفت فيها إلى المحبطين ولا يستجيب للمحرضين، بل يمضى فى طريق العمل الصامت والعزيمة الصلبة.. لا يرد على من يهاجم، ولا يتطاول على من يسيء، لأن الوقت عنده أثمن من أن يُهدر فى جدال.. يعرف أن الإنجاز هو الرد الأقوي، وأن البناء هو الصرخة التى تُخرس كل غوغاء، لذلك يعمل ويعمل ويعمل، لا يطالب الناس إلا بما يطالب به نفسه: أن ننهض بالجهد، وأن نصون ما تحقق بالعرق، وأن نؤمن أن الإصلاح ليس شعارًا بل مسيرة تحتاج إلى صبر الرجال.
ولأن الفروسية فى السياسة لا تكتمل إلا حين تقترن بالخلق، فإننا نرى الفارق واضحًا بين فارس يعمل بضمير وبين ثعلب يتحرك بدهاء.. فى عالم الاقتصاد، يكثر الثعالب الذين يظنون أن ذكاءهم وحده يصنع المعجزات، وأن الأرقام يمكن أن تبرر كل شيء حتى لو كانت خالية من الروح.. هؤلاء الذين يفصلون بين الاقتصاد والأخلاق يخطئون الطريق، فالثعلب قد ينجح لحظة، لكنه لا يبنى وطنًا.. لقد رأينا رجال أعمال يصنعون الثراء بلا ضمير، ومؤسسات دولية تفرض سياسات قاسية لا تعرف الرحمة، ودولاً كبرى تتخذ من المصلحة شعارًا وتفرغ قراراتها من أى مضمون إنساني.. كل هؤلاء ظنوا أن التقدم يمكن أن يقوم على حساب القيم، فكانت النتيجة هشاشة تفضحها الأزمات، وغنى يخفى داخله فقرًا فى المعنى.
الفارق الجوهرى بين الفارس والثعلب أن الأول يرى فى العمل رسالة، وفى النجاح مسئولية، أما الثانى فيراه غنيمة.. الفارس لا يسعى إلى المكسب السريع بل إلى البقاء الكريم، يزرع اليوم ليحصد غدًا، ويتعب كى لا يورث غيره عناء.. أما الثعلب فيسعى وراء الحيلة القصيرة التى تجلب الربح الفورى ولو على حساب الآخرين.. فى السياسة كما فى الاقتصاد، من فقد البعد الأخلاقى فقد البوصلة، ومن جعل من المنفعة قانونًا وحيدًا انتهى به الأمر إلى عبودية المال والسلطة.. لذلك كانت مصر – رغم ما تواجهه من تحديات – حريصة على أن تبقى جذوة الأخلاق متقدة فى قراراتها ومواقفها، تؤكد دومًا أن الشرف ليس ترفًا بل أساس السيادة، وأن النزاهة ليست ضعفًا بل قوة حقيقية فى زمن الالتباس.
من يراقب المشهد المصرى اليوم يدرك أن ما يتحقق على الأرض لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية شريفة وإصرار حقيقى على الإصلاح، رغم الضجيج والتشكيك ومحاولات الإحباط. كل خطوة مدروسة، وكل مشروع قائم على فكرة خدمة الإنسان قبل أن يكون وسيلة تلميع إعلامي.. تلك فلسفة الفارس الذى يرى أن السياسة لا تكون عظيمة إلا حين تخدم الناس لا حين تستغلهم، وأن الاقتصاد لا يكون قويًا إلا حين يحفظ كرامة العامل لا حين يسحقه باسم الكفاءة.
إن أخطر ما يمكن أن يصيب العالم اليوم هو هذا الانفصال بين النجاح والمبدأ، بين القوة والقيمة.. فحين تُفرغ الأعمال من محتواها الأخلاقي، تصبح كجسد بلا روح، تتحرك ولكنها لا تحيا.. إن السياسة التى لا تعرف الشرف، والاقتصاد الذى لا يعرف الضمير، هما وجهان لعملة زائفة سرعان ما تسقط فى أول اختبار حقيقي. لذلك كان النموذج المصرى مختلفًا: فارسٌ يقود بإيمان، يبنى بعقلٍ نظيفٍ وقلبٍ مخلص، لا يسعى إلى مجدٍ شخصى بل إلى وطنٍ يستحق أن يعيش كريمًا، ويثبت للعالم أن الفروسية ليست حكاية من الماضي، بل واقعٌ ممكن حين يقوده رجال من طينة النبلاء.