وقف الحرب ليس محطة النهاية، بل بداية امتحان طويل لمسارات متعددة، وستبقى القاهرة مشاركاً رئيسياً فى هذا الامتحان -سياسياً وإنسانياً – طالما حافظت على مزيج من الواقعية والالتزام بالقيم العربية والدولية، أما الطريق إلى السلام المستدام، فلا خلاص منه إلا عبر خيارٍ سياسى واضح: حل الدولتين.. دولة فلسطينية مستقلة على حدود قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية، يضمن حقوق الفلسطينيين، ويؤمن لإسرائيل حدوداً معترفاً بها وقابلة للدفاع عن نفسها، هذا هو الإطار الذى لو التزم به المجتمع الدولى بصدق، ومع أدوات ضمان فعّالة، فسنكون أمام فرصة حقيقية لتحويل ما تبقى من معاناة إلى بداية إعادة بناء سياسى وإنسانى حقيقية.
فحين تتوقف الحرب، لا يعنى ذلك أن السلام قد بدأ.. فالحروب لا تُطفأ بالنار، بل بالعقل، وحين انطفأت نيران غزة، بقى اللهيب السياسى يشتعل فى أروقة العواصم، لكن القاهرة كانت كعادتها أكثر ثباتًا من الجميع، وتقود دور محورى من أجل المساهمة فى تخفيف العبء عن أهالى غزة.
فمنذ الساعات الأولى لانفجار الحرب، كانت مصر الدولة الوحيدة التى جمعت بين التحذير السياسى والتحرك الإنسانى.
بيانها الأول دعا إلى التهدئة، بينما كانت قوافل الهلال الأحمر تنطلق عبر معبر رفح، فى وقت كانت فيه البنادق تتحدث أكثر من الكلمات.
وفى قمة القاهرة للسلام، رفعت القاهرة صوت العقل العربى:
> لا تهجير للفلسطينيين ــ لا أمن على حساب المدنيين ــ لا سلام إلا بحل الدولتين
من قمة القاهرة إلى قمة شرم الشيخ كانت القاهرة لديها مبدأ ثابت ورؤية واحدة تجاه القضية الفلسطينية والحرب الدائرة فى غزة.
وظلت القاهرة تدير معارك التفاوض الصامتة، وواصلت المخابرات العامة المصرية جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس، بينما كانت الدبلوماسية المصرية تفتح كل القنوات مع «واشنطن، الدوحة، أنقرة، وأوروبا».
وحين انعقدت قمة شرم الشيخ، كان المشهد أكثر وضوحاً: مصر لا تتوسط فقط، بل تقود الرؤية، من على ضفاف البحر الأحمر، وأكدت أن الهدنة ليست غاية، بل جسر نحو حل سياسى شامل، وأن الأمن الحقيقى يبدأ حين يُعاد الاعتبار للإنسان الفلسطينى.. ووضعت القاهرة خطوطاً واضحة لمستقبل غزة والمنطقة ما بعد الحرب:
1. حل الدولتين هو الطريق الوحيد للسلام.
2. توحيد الصف الفلسطينى ضرورة سياسية لا رفاهية.
3. إعادة الإعمار بإشراف عربى – دولى يضمن الشفافية والعدالة.
4. حماية الحدود ومنع التهجير أو التقسيم.
5. استمرار الجسر الإنسانى عبر رفح إلى أن تعود الحياة لغزة كما كانت.
منذ قمة القاهرة حتى قمة شرم الشيخ، ومن صوت الحرب إلى صوت السلام، بقيت مصر عند مبدئها الذى لا يتبدّل: «لا سلام حقيقى إلا بعدلٍ يُرضى التاريخ قبل السياسة»، فمصر لم تتحدث كثيراً، لكنها عملت بصمت وثقة وحكمة.
وفى زمنٍ تتبدل فيه المواقف، كانت القاهرة – كما وصفها هيكل- (عاصمة الوعى العربى فى عالم يزداد ضجيجاً ويقل فيه الفهم).