ما حققته مصر هذا الأسبوع إنجاز عظيم، فقد نجحت فى جمع كوكبة من زعماء العالم المؤثرين على أرضها، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى ترامب، لحضور مؤتمر قمة شرم الشيخ للسلام، وأن يكونوا ضامنين وشهوداً على توقيع «إعلان ترامب» لإنهاء الحرب فى غزة، وفتح آفق للسلام فى الشرق الأوسط.
لكن هذا الإنجاز ليس جديداً على مصر.. لا ننسى أن مصر ومنذ الأسابيع الأولى لوقوع «طوفان الأقصي» فى السابع من أكتوبر قبل عامين، كانت صاحبة المبادرة فى الدعوة إلى مؤتمر قمة السلام بالقاهرة بحضور قادة الدول العربية والإسلامية والأجنبية حول الحرب التى بدأتها إسرائيل فى غزة.
وما بين قمة القاهرة للسلام فى 3202، وقمة شرم الشيخ للسلام 5202 وكانت مصر هى حاملة لواء الدفاع عن الشعب الفلسطينى وقضيته وحقوقه، وكانت حاضرة فى كل الفعاليات الإقليمية والعالمية، وجولات الوساطة ومحاولات وقف اطلاق النار التى نجحت مرة وأخفقت مرات على مدى عامين كاملين من حرب الإبادة الإسرائيلية التى استخدمت إسرائيل فيها كل الأسلحة المحرمة دوليا وإنسانياً.
مؤتمر شرم الشيخ وما تم فيه من التوقيع على إعلان ترامب، نقطة بداية جديدة لمراحل متعددة فى مسيرة طويلة وبالغة التعقيد، لا يوجد رسميا أفق زمنى محدد لنهايتها، ولا شكل حاسم ومتفق عليه من الجميع لهذه النهاية.
لقد انطلقت عملية إعداد خطة ترامب وإعلانه لوقف الحرب فى غزة وتحقيق السلام فى الشرق الأوسط، من واشنطن ومن نيويورك بقيادة الرئيس الأمريكي، وبمباركة من قادة دول عربية وإسلامية، وكانت مصر حاضرة فى كل مراحل إعداد الخطة بالمشورة والرؤية وضبط المسار، واعترف الرئيس ترامب نفسه بهذا الدور المصري، ونسب للرئيس السيسى الفضل فى ذلك.
وربما لذلك، لم تصدر الصيغة النهائية للإعلان والخطة من البيت الأبيض فى واشنطن أو من مقر الأمم المتحدة فى نيويورك، بل جاء ذلك من مصر، وفى مدينة السلام بشرم الشيخ، حيث جرى فى القمة الصدور الرسمى لإعلان ترامب موقعا عليه من الرئيس الأمريكى كضامن رئيسي، ومن رؤساء مصر وقطر وتركيا كضامنين، ومن الشهود أيضا.
وكان ذلك تأكيداً للحقيقة أنه بدون مصر، يستحيل تحقيق سلام حقيقى ومستدام فى الشرق الأوسط أو حل عادل للقضية الفلسطينية.
لقد فرغنا من الجهاد الأصغر، وبقى الجهاد الأكبر حقاً، وهو هنا وضع إعلان ترامب وخطته موضع التنفيذ العملي.
ولا ينبغى أن نتسرع فى توقع نتائج عاجلة على الأرض، فالمشوار طويل، والصراع أيضا، فالسلام الشامل الحقيقى غائب عن الشرق الأوسط منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وصعب أن نتصور أن تشرق شمسه بين يوم وليلة، أو فى عام أو عامين.
إن وقف اطلاق النار فى غزة، وتبادل اطلاق سرح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، والأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل ليس سوى المرحلة الأولي.
ولدى كل من الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى حافز قوى لإتمام هذه المرحلة، فقد وصل الطرفان إلى قمة المعاناة والإنهاك، ولذلك تم إنجاز هذا الهدف المرحلى فى توقيته، وبقدر معقول من الالتزام.
لكن وقف اطلاق النار نفسه فى حاجة إلى تثبيت من الطرفين يحقق استدامته، ويهيئ مناخاً آمناً للانتقال لتنفيذ المراحل التالية.. وبدون ذلك سيتعثر أو يتعذر التنفيذ.
وتثبيت وقف اطلاق النار فى حاجة إلى إجراءات وترتيبات.. وإلى متابعة دقيقة وصارمة من الشريك الأمريكى صاحب الإعلان والخطة وضامنهما الأول، ومن بقية الموقعين على الإعلان من الضامنين والشهود الذين حضروا قمة شرم الشيخ.
وهذه هى المعضلة الأولي، والتى تثير المخاوف فى تكرار السوابق فى هذا المجال.
فلدينا أمثلة عديدة توقفت فيها مبادرات مهمة كانت تحمل أملا بالسلام ولم تتجاوز فى التنفيذ المرحلة الأولى منها.
اتفاق أوسلو 1973 لم يتجاوز مرحلة: غزة وأريحا أولاً.. ولم تأت ثانيا حتى اليوم.
و «الهدن» ـ جمع هدنة ـ القصيرة التى تمت خلال حرب غزة الحالية لم تصمد إلا الفترة التى حققت إسرائيل هدفها منها ثم انقضت عليها.
ولماذا تذهب بعيدا ووقف اطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، والذى صدر بموجبه قرار من مجلس الأمن، وبضمانة ومراقبة أمريكية ـ فرنسية مشتركة، ودولية من خلال قوات الأمم المتحدة فى الجنوب اللبناني، مازال يراوح مكانه بعد عام كامل من صدور القرار، ويتعرض لخروقات إسرئيلية شبه يومية من خلال غارات جوية بدعوى ملاحقة بقايا عناصر حزب الله اللبناني.
فضلا عن أن المراحل التالية مليئة بالثغرات والقضايا العصية على الحل ما لم تتوافر إرادة سياسية قوية لدى كل الأطراف لعبورها بأقصى قدر من الحفاظ على الحقوق واستخدام عادل للحوافز والعقوبات، لضمان وصول الخطة لنهايتها السعيدة.
ولدى مصر والدول العربية والإسلامية والأجنبية المؤثرة فرصة فريدة لحشد كل جهودها من أجل ضمان تنفيذ الخطة فى مسارها السليم فالجميع فى حاجة حقيقية إلى شرق أوسط تنتهى فيه معاناة شعوبه وتتخلص من كل ما يكبل حركتها على طريق التقدم والازدهار فى ظل سلام عادل وشامل للجميع ووقف المرجعيات الدولية المعتمدة وليس لطرف بعينه، ولا بقوة السلاح والعدوان.