في مطلع هذا العام، بدا أن واشنطن ونيودلهي على وشك التوصل إلى اتفاق تاريخي. فقد تعهد الطرفان بمضاعفة حجم التجارة الثنائية من 100 مليار دولار إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030، وحددا 33 قطاعًا لتعزيز التعاون المشترك. وكان المفاوضون قد اقتربوا من إنهاء الاتفاق، حتى وقعت سلسلة من سوء الفهم أدت إلى قيام الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية من 25٪ إلى نسبة هائلة بلغت 50٪.
وقد بدأت آثار هذا القرار بالظهور فعليًا، إذ باتت الشركات الهندية تدفع رسوماً أعلى لتتمكن من بيع منتجاتها في السوق الأمريكية. كما أصبحت شركات التكنولوجيا والدفاع والطاقة النووية الأمريكية مهددة بفقدان مصداقيتها لدى نيودلهي. ومع غياب المجال السياسي للمناورة، يبدو أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. ونتيجة لذلك، بدأت الهند في تسريع جهودها للتقارب مع شركاء آخرين مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا بهدف تقليل اعتمادها على السوق الأمريكية. بل إن الصين والهند – رغم التوترات بينهما – بدأتا تتبادلان إشارات إلى تعزيز الانخراط المشترك لموازنة الضغوط الأمريكية.
وعلاوة على التداعيات المباشرة المتعلقة بالرسوم الجمركية وتعثر المفاوضات، فإن الخلاف بين الولايات المتحدة والهند يحمل في طياته عواقب عالمية واسعة. إذ يُضعف هذا الخلاف النظام التجاري المتعدد الأطراف عبر تهميش دور منظمة التجارة العالمية، واستبدال القواعد التعاونية بسياسات قائمة على المصالح الآنية. وهذا التحول يهدد بتفكك منظومة الحوكمة العالمية ويقوض عقوداً من التقدم في بناء قواعد مشتركة للتجارة والدبلوماسية.
كما أن سلاسل التوريد الحيوية معرضة للخطر، إذ تواجه الشركات الأمريكية التي تعتمد على التصنيع في الهند حالة من عدم اليقين. وقد تتعطل خطط الإنتاج المشترك وسياسات «الصداقة في التصنيع» (friend-shoring)، بينما يتآكل عامل الثقة في التعاون طويل الأجل. وقد تصمد العلاقات الدفاعية في الوقت الحالي، لكن توسيعها في المستقبل بات موضع شك.
يأتي هذا التوتر في لحظة حرجة لتحالف «الرباعية» (Quad) الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان واستراليا، حيث يعتمد هذا التحالف على الثقة الاقتصادية للحفاظ على التعاون الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأي انهيار في العلاقات التجارية يضعف هذا الأساس ويهدد بتفكك النظام التجاري العالمي.
في نهاية المطاف، فإن هذا النزاع يتجاوز كونه خلافاً ثنائياً؛ إنه اختبار لمدى قدرة الشراكات العالمية على الصمود في وجه السياسات الشخصية، ولإمكانية التوفيق بين الاستقلالية الاستراتيجية والتكامل الاقتصادي.
رسالتي إلى قادة البلدين: لا تسمحوا للخلافات الشخصية أن تحجب المصالح المشتركة بين هذين البلدين الديمقراطيين العظيمين. فبالحوار المتجدد فقط يمكننا استعادة الثقة، وحماية الصناعات الحيوية، وتعزيز النظام القائم على القواعد الذي يخدم المليارات حول العالم.