مع التقدم التكنولوجي، لم تعد وسائل الدعاية الانتخابية كما كانت في السابق. فبعد أن كانت تعتمد على أشخاص يجوبون القرى فوق الدواب لإبراز مزايا المرشحين بعبارات رنانة، تطوّر الأمر إلى استخدام الميكروفونات التي تعلو سيارات النقل الحاملة لصور المرشح. وتوازى هذا التطور مع حملات طرق الأبواب، وزيارة العائلات الكبيرة، ونشر لافتات القماش بعرض الشوارع، وصولاً إلى اللوحات المضيئة (الأوت دور)، وانتشار السيارات المجهزة بأجهزة صوتية ضخمة تذيع أغنية أُعدت خصيصاً للمرشح.
ومع التحول الرقمي، تفنّن المرشحون في أساليب الدعاية، فأصبحت الصفحات المُموَّلة والشخصية على فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام أمراً أساسياً. ومع ذلك، لم يكتفِ المرشحون بهذه الرعاية الرقمية، بل لا يزال الاعتماد على الوسائل التقليدية قائماً، لأنها الأكثر وصولاً للناخبين البسطاء.

رؤساء أحزاب وخبراء: الدعاية التقليدية لا غنى عنها
أكد الدكتور ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، أن طرق الدعاية والإعلان للمرشحين لم تختلف جوهرياً عما كانت متبعة في السابق. فبالرغم من ظهور القنوات الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الاعتماد لا يزال قائماً على وسائل الدعاية الانتخابية التقليدية، لأنها الأكثر تأثيراً ووصولاً للناخبين.
وأشار “الشهابي” إلى أن هذه الوسائل تشمل: حملات طرق الأبواب، وزيارة المحلات والمقاهي والمنازل، والوصول للشباب في قصور الثقافة ومراكز الشباب والمدارس، إضافة إلى عقد الندوات الصغيرة والمسيرات التي تجوب الشوارع. واعتبر أن هذه الوسائل لا غنى عنها؛ لتكلفتها البسيطة ومناسبتها للمرشح محدود الدخل والطبقة الأوسع في الترشح.
وأضاف أن الوسائل الحديثة على وسائل التواصل الاجتماعي تناسب عصر الإنترنت، لكن لا يمكن الاستغناء عن الدعاية القديمة؛ لأنها الأكثر قرباً من الناخب ووصولاً إليه وتأثيراً فيه.

تغيير الوسائل مع ثورة الاتصالات والمعلومات
من جانبها، أشارت الدكتورة سهير عبد السلام، عميد كلية الآداب بجامعة حلوان سابقاً وأستاذ الفلسفة السياسية، إلى تطور الدعاية الانتخابية للمرشحين للمجالس النيابية (النواب والشيوخ). فبعد أن كانت تبدأ باللقاءات الجماهيرية وتوزيع المنشورات الورقية وتعليق اللافتات، تغيرت الوسائل مع ثورة الاتصالات والمعلومات، وحلّت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي محل الدعاية العادية لعرض إنجازات المرشحين. وأكدت وجود زخم في دعاية المرشحين يجمع بين الطرق التقليدية التي لا غنى عنها، وصفحات عرض الإنجازات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وترى المهندسة هبة النجدي، خبير الدعاية والإعلان، أنه مع تطور الوقت حرص المرشحون على إيجاد وسائل دعاية وإعلان سهلة واقتصادية، بداية من ميكروفونات السيارات وتعليق لوحات من قماش البفتا والكروت التي توزع على الأهالي. وقد استمر ذلك حتى التسعينيات. ومع الألفية الجديدة، ظهرت اللافتات الكبيرة (البانرات) وصولاً إلى المضيئة منها (الأوت دور). وأكدت أنه مع التحول الرقمي والثورة التكنولوجية، أصبح الاعتماد على اللجان الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمراً ضرورياً، ولكنه يأتي بجانب الطرق التقليدية القديمة.

د. أيمن الدهشان: المصري القديم عرف “الإقناع البصري”.. والخطاب الجماهيري حل محل النداء الصوتي
أكد الدكتور أيمن الدهشان، القيادي بحزب حماة الوطن والخبير في الشؤون البرلمانية، أن الدعاية الانتخابية في مصر مرت بمراحل طويلة من التطور، تعكس تغير وعي المجتمع وأدوات الاتصال عبر العصور، بدءاً من “المنادي” في الأسواق وصولاً إلى الحملات الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم.
وأوضح الدهشان أن فكرة كسب التأييد الشعبي ليست جديدة على المصريين، بل عرفها الأجداد منذ العصور الفرعونية، حيث كان الملوك والكهنة يستخدمون النقوش والجداريات والرموز لعرض إنجازاتهم، مما يجعلها أول أشكال “الدعاية السياسية” في التاريخ. وأضاف أن المصري القديم كان واعياً بقيمة الصورة والرمز في إيصال الرسائل، وهو ما يثبت أن “الإقناع البصري” كان لغة مصرية أصيلة منذ آلاف السنين.
العصر الحديث: من الصحافة إلى السوشيال ميديا
أشار الدهشان إلى أن التطور الحقيقي في الدعاية جاء مع العصور الإسلامية والحديثة، حين ظهر المنادي الذي يجوب الشوارع، ثم تحولت الوسائل إلى اللافتات الورقية والمنشورات مع بدايات القرن التاسع عشر، إلى أن ظهرت الصحف التي أصبحت المنبر الأول للحملات الانتخابية المنظمة.
وقال إن الصحافة أدخلت مفهوماً جديداً في العمل الانتخابي، وهو “الخطاب الجماهيري” القائم على المنطق والإقناع، لا مجرد النداء.
وأردف الدكتور الدهشان أن منتصف القرن العشرين شهد نقلة نوعية كبرى، حيث أصبحت الإذاعة والتلفزيون أداتي التأثير الرئيسيتين في وعي الناخبين، إذ تمكن المرشح من الوصول إلى جمهور واسع في وقت قصير، وأصبح الصوت والصورة جزءاً من “الهوية الانتخابية” للمرشح.
ثورة القرن الحادي والعشرين
أكد الدهشان أن الدعاية الانتخابية في القرن الحادي والعشرين دخلت مرحلة جديدة تماماً بفضل ثورة السوشيال ميديا (الإعلام الاجتماعي)، فأصبح بإمكان المرشح أن يخاطب آلاف الناخبين عبر منشور أو فيديو قصير، ويتابع التفاعل لحظة بلحظة. وأشار إلى أن هذه الوسائل غيَّرت موازين المنافسة، فلم تعد الإمكانات المادية وحدها هي الأساس، بل أصبحت القدرة على إدارة الحملة الرقمية بذكاء ووعي هي العامل الحاسم في النجاح.
إدارة الحملة الانتخابية: خمس خطوات أساسية
أوضح الدكتور أيمن الدهشان أن إدارة الحملة الانتخابية أصبحت “علماً له قواعده”، وتشمل خمس خطوات رئيسية:
- تحليل الدائرة الانتخابية لتحديد الفئات المستهدفة.
- صياغة الرسائل الانتخابية التي تعبّر عن رؤية المرشح بوضوح.
- اختيار الوسائل المناسبة للتواصل (ميدانية – إعلامية – رقمية).
- تشكيل فريق متخصص في العلاقات العامة والإعلام وإدارة الأزمات.
- قياس الأثر والتفاعل لتعديل الخطاب وفقاً لاستجابة الجمهور.
وشدَّد القيادي بحزب حماة الوطن على أن تطور الدعاية الانتخابية في مصر هو انعكاس لتطور وعي المواطن نفسه، مؤكداً أن الحملة الناجحة اليوم لا تقوم على الشعارات فقط، بل على الصدق والشفافية والتفاعل المستمر مع المواطنين.
واختتم الدهشان قائلاً: “الانتخابات ليست معركة شعارات، بل رسالة ووعي ومسؤولية، والناخب الواعي هو من يمنح صوته لمن يستحق أن يمثله بصدق وإخلاص”.









