ليس صدفة أن تحقق مصر نجاحات متميزة على المستوى الدولي واحدا تلو الآخر، في فترة قصيرة السياسة لا تدار بالصدف بل بمعايير وأسس ومواقف واضحة لأن التواجد الدولي الآن له شروط صعبة، من امتلكها حقق النجاح وفرض نفسه، ومن افتقدها لا يستطيع أن يزاحم أو ينافس أو حتى يكون له وجود فالمجتمع الدولى الآن لا يعترف بالضعيف أو المتكاسل أو فاقد القدرة.
ولهذا عندما نقف على النجاحات المتوالية لمصر دوليا سنجد أنها ترجمة لمكانة تفرض نفسها واحترام عالمى يتأكد يوما بعد الآخر، وعلاقات متنوعة مع كافة القوى الإقليمية والدولية، وتخطيط محكم ومحدد الأهداف، وتحرك واقعي ومدروس.
مصر بهذه النجاحات تؤكد عمليا أنها عادت لتكون في مكانتها الطبيعية كدولة رائدة ولها تواجد مؤثر فى كل المؤسسات الدولية من اليونسكو إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى منظمة الفاو وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة لمكافحة المخدرات واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر وغير هذا كثير من المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية صاحبة التأثير في القرار العالمي، وأغلب هذه المواقع سجلت مصر فيها أرقاما كبيرة من التأييد بما يعكس أولا علاقاتها الممتدة ودورها والثقة التي تحظى بها بين الدول والمكانة التي تجعلها دائمًا اختيارًا مفصلًا.
هذا لم يأت من فراغ وإنما نتيجة سنوات من العمل المستمر بداية من رئيس الدولة الذى لا يتوقف عن بذل الجهد لصناعة علاقات دولية ناجحة لمصر وتحركات إقليمية ودبلوماسية مكثفة وواعية، ومؤسسات تعمل ليل نهار لترجمة إستراتيجية الدولة، وهو ما ساهم في الحضور المصرى الجاد والمؤثر على كافة المستويات الدولية والاقليمية، فطوال السنوات الماضية لم تتخلف مصر عن قضية دولية ولم تتردد في المشاركة المواجهة أي تحد، بل كان حضورها سباقا في كثير من الملفات ورؤيتها تقود إلى الحل والأهم أن الحضور المصرى لم يرتبط بأنانية ونفعية بحتة وإنما بالحرص على المصالح الجماعية والإنسانية المشتركة ودعم الدول الأخرى وتبنى قضايا الدول الفقيرة والنامية.
أيضا كان من الخطوات المهمة التي حققتها مصر خلال السنوات الاخيرة إصلاح اخطاء كثيرة ارتكبت في الماضي، ومنها على سبيل المثال الخطأ الكارثي بالابتعاد عن إفريقيا في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس الراحل مبارك في أديس أبابا، فهذا الابتعاد كلفنا الكثير سواء خسارة مصالح ضخمة مع الأشقاء أو فقدان فرص في التواجد بالمؤسسات الدولية لأن الصوت الإفريقى لم يكن معنا فعليا، لكن الآن جزء أساسي من الفوز بأى ترشيح تخوضه مصر يكون للصوت الأفريقي تأثير كبير فيه لانه معنا بعدما شعر الأشقاء الأفارقة بأن مصر عادت إليهم من جديد وتهتم بقضاياهم وتتعاون معهم.
ومن الأخطاء التي تم إصلاحها أيضا طريقة تعامل الدولة مع المؤسسات والمنظمات الدولية نفسها، وكيف تحولت العلاقة من خلافات إلى حوار وتوافق على الملفات والقضايا المختلفة مهما كانت شائكة، فمصر لم يعد لديها ما تخفيه ولا ما تخجل منه بل قادرة على مناقشة كل الأمور بصراحة وشفافية.
الأمر الثالث: التنسيق العربي الذي أصبح على أعلى مستوى بالتأكيد الخلافات متوقعة بين الدول، لكن المهم ألا تكون هذه الخلافات سبيا في أن نتحرك ضد بعضنا البعض كعرب لأن هذا سيكبدنا خسائر فادحة والقيادة السياسية مدركة لهذا منذ البداية ولذلك فهي حريصة على تجاوز أى خلافات مع الأشقاء والبناء على ما هو مشترك والتنسيق الدائم مما يزيد قوة الصوت العربي ليس فقط في المواقع الدولية بل فى فرض الرؤية العربية في القضايا المختلفة.
الرابع: تنويع العلاقات الذى تتخذه مصر نهجا ثابتا بهدف عدم التواجد في مربع واحد وإنما تتواجد في كل المربعات وعلاقاتنا مع كل القوى شرقا وغربا جيدة ومتوازنة والأهم أنها علاقات قائمة على الاحترام والندية والتعاون واستقلالية القرار المصري.
الخامس: المصداقية والثقة التي يحظى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي بين قادة وزعماء العالم، فهو واحد من الرؤساء الذين يتم الاستماع اليهم جيدا ودعوتهم لكل المحافل الدولية لأنه فرض نفسه بما يمتلكه من شخصية قوية ورؤية واضحة وثوابت يتمسك بها. بالإضافة إلى المشروع التنموى الذي نجح في تحقيقه بمصر وأصبح تجربة يحترمها العالم مثلما يحترمون تجربته في إعادة بناء الدولة وفى القضاء على الإرهاب ومكافحة الأمراض، وكذلك دعوته الدائمة للسلام وإنهاء الصراعات والنزاعات بالحوار، فكل هذا جعل رئيس مصر له مكانة خاصة واحترام دولى مما ساهم في قبول أي ترشيح مصر لأى موقع دولي.
السادس: حسن اختيار من تدفع بهم الدولة للمناصب الدولية فالسيرة الذاتية لكل مرشح تلعب دورا فاعلا في الاختيار، فمصر بعد اكتسابها خبرة كبيرة من مرات سابقة أصبحت لديها قدرة على اختيار الشخصية المناسبة لكل موقع ويضاف إلى ذلك أن مصر لديها دائما رؤية جيدة لتطوير المؤسسات الدولية التي تشارك فيها.
الخلاصة أن مصر الآن تعود لتتواجد بما يليق بها دوليا ليس فقط في المواقع والمناصب المؤثرة في صناعة القرار الدولي وإنما أيضا في صياغة السياسة الدولية بشكل عام، وقمة شرم الشيخ رسالة قاطعة على ذلك، وهذا ليس من فراغ ولم يأت كما ذكرت صدفة وإنما نتيجة لما تم خلال السنوات الماضية لبناء دولة قوية.