رفع وكالة التصنيف الائتمانى الدولية تقييم مصر إلى درجة B خطوة تحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد رقم على ورقة أو بيان صحفى، فهى شهادة ثقة من مؤسسة دولية بأن الاقتصاد المصرى بدأ يستعيد توازنه بعد سنوات من التحديات المتراكمة، وأن سياسات الإصلاح المالى والنقدى بدأت تثمر نتائج واقعية. هذه الخطوة جاءت بعد مراجعات دقيقة لمؤشرات الاقتصاد الكلى من معدل النمو والعجز والاحتياطى والتدفقات الأجنبية، وهى إشارة إلى أن الدولة تسير فى المسار الصحيح نحو استقرار أوسع. ما يلفت الانتباه أن الترقية لم تأتِ مجاملة ولا دفعة سياسية، بل استنادًا إلى معايير واضحة أبرزها قدرة الحكومة على إدارة الدين العام وتثبيت استقرار سعر الصرف وتبنى سياسة أكثر شفافية فى سوق النقد الأجنبى. هذه الرسالة من وكالات التصنيف لا تهم الحكومة فقط بل تهم المستثمرين والبنوك والشركات والمؤسسات المالية العالمية التى تتعامل مع مصر، فكل درجة تحسن فى التصنيف تعنى تراجعًا فى تكلفة الاقتراض وتحسنًا فى صورة المخاطر، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على حركة الدولار داخل السوق المحلية. رفع التصنيف إلى B يعزز ثقة المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين المصرية، سواء سندات أو أذون خزانة، مما يزيد من تدفق الدولار إلى السوق الرسمية عبر البنوك، ويخلق نوعًا من الاتزان بين العرض والطلب على العملة الأجنبية. وبقدر ما ينجح هذا التدفق فى سد الفجوة بين الاحتياجات الدولارية وموارد النقد الأجنبى، بقدر ما يتراجع الضغط على الجنيه ويثبت سعر الدولار عند مستويات مستقرة أو أقل ارتفاعًا مما كان متوقعًا. إلا أن الأثر النفسى لا يقل أهمية، فالأسواق فى الأساس تتغذى على الثقة، وحين تصلها إشارة بأن الاقتصاد المصرى أصبح أقل مخاطرة وأكثر قابلية للنمو، تتراجع موجات المضاربة ويبدأ التفكير فى الاستثمار طويل الأجل بدلًا من التخزين أو الهروب نحو الدولار كملاذ آمن. وهذا التحول النفسى هو أولى ثمار رفع التصنيف. ومع ذلك يجب ألا نغرق فى التفاؤل المطلق، فرفع التصنيف لا يعنى أن الدولار سينخفض غدًا أو بعد أسبوع، لأن السوق تتأثر بعوامل أعمق، منها حجم المعروض النقدى، والسياسات النقدية للبنك المركزى، وسلوك المستوردين والمضاربين، فضلًا عن الظروف العالمية المرتبطة بأسعار الفائدة وتحركات الدولار عالميًا. لكن ما يمكن الجزم به أن الترقية الأخيرة ستمنح مصر هامشًا أكبر من المناورة فى الحصول على تمويلات بشروط أفضل، وتزيد من جاذبية الاستثمار فى القطاعات الإنتاجية التى تولد عملة صعبة حقيقية.