8 أكتوبر 2025 صعود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم بأمريكا وكندا والمكسيك عام 2029 وفي 8 أكتوبر 2017 صعود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم بروسيا 2018 وما بين التاريخين ظلت حكاية لا تنسى في ذاكرتي مساء يوم الأحد الموافق 8 أكتوبر عام 2017 في القهوة بدأت المباراة في الجولة قبل الأخيرة بين مصر والكونغو.
كان هناك حشد من الجمهور لا يسمح لك سوى بالنظر إلى الشاشة الكبيرة دون الالتفات يمينًا أو يسارًا، وحالة من صعوبة التنفس للإزدحام مع التوتر والترقب تسيطر على المكان ومتى سجل (صلاح) هدفه الأول حتى انفجر المقهى بصراخ الفرح وبالكاد لمحت عيني من وسط الناس رجلاً بساق واحدة يستند على عكازة والجدار يحاول أن يقفز لكن محاولته باءت بالفشل فإنطلقت حنجرته بالهتاف لمصر..
وعند تسجيل الكونغو لهدف التعادل خيم الصمت لكن حدث هرج ومرج إذ سقط الرجل صاحب الساق الواحدة على الكراسي المتراصة بين الناس وتعليق من أحدهم يقول: ” لاحول ولا قوة إلا بالله” اندفع الرجل في اتجاه الشاشة يحاول أن يمنع الهدف من الدخول إلى المرمى فسط على الجالسين، وبعد دقائق مرعبة يحرز (صلاح) هدفاً من ضربة جزاء وسط حالة لا توصف من صراخ الفرح والدموع، ما الذي يدفع هذا الرجل بساق واحدة إلى مقاومة الحياة الصعبة بهذا الانفعال والحماس؟ تظل المقاومة مشروع إنساني يتجاوز حدود البنادق وطبول الحرب، إنها عمل فردي، لا مقاومة دون رجوع إلى الذات، هل يمكن أن نتحدى ما هو قائم من صعاب دون إدراك لخصوصية ضميرنا، ومن ثم فالحياة مقاومة وكل ما نستطيع فعله هو تحسين شروط المقاومة تدريجياً من خلال محبة الحياة وبصيص من الأمل.
المقاومة شعور بالوجود وهي مقاومة ضد النهايات المفترضة كأن يتوقف هذا الرجل بالساق الواحدة عن معايشة الحياة وإلتزام مقعده لأنه عاجز، لم يستكن لحالته ولم يسلم بعجزه بل بحث عن قوته الداخلية ليدفعها إلى الممارسة الحرة كما الآخرين، إنه عندما يصارع تحديات الحياة فإنه يبحث عن كرامته، كرامته التي لا يمكن أن يحول عجزه دون تحققها أو يسلبها شىء آخر.
ويطرح الفيلسوف الألماني (فيشته) مفهومه للمقاومة عبر إرتباطها بالحرية، حرية الفرد في أن يتمكن من العيش مع قدرته على التعامل مع الآخرين، إنها لا تقتصر على الوعي الذاتي للفرد بل من خلال مشاركته في وعي الآخرين.
كما حال رجلنا صاحب الساق الواحدة واحتفاليته مع جمهور المقهى حركياً وشفهياً، إنها المقاومة في حالتها السلبية من أجل تحمل مواجهات الحياة القاسية.
إنها ليست حرباً من أجل أرض أو عقيدة وإن كان الأمر مستحقاً لكن المقاومة من أجل حماية الذات من العجز والبلادة بل واقتناص فرص للسعادة ولو لحظياً، وما أجمل ما عبر عنه المبدع “سيد حجاب” حين قال: “أن درت ضهرك للزمن يتركك لكن سنابك مهرته تفركك وإن درت وشك للحياة تسبكك والخير يجيك بالكوم وهمك يهون”.