لم يعد الإعلام فى عصرنا الحديث مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو سرد الوقائع، بل أصبح شريكًا رئيسيًا فى صياغة وعى الشعوب وصناعة الرأى العام، وأداة فعالة فى ترسيخ الهوية الوطنية وبناء الثقة بين الدولة والمواطن..وفى ظل التحولات المتسارعة التى يشهدها العالم سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا، برزت الحاجة الملحة إلى إعلام وطنى واع قادر على مواكبة الواقع، والتفاعل مع المستقبل بلغة تليق بالجمهورية الجديدة التى أرساها الرئيس عبد الفتاح السيسى برؤية تقوم على التنمية الشاملة وبناء الإنسان. لقد أدركت القيادة السياسية مبكرًا أن الإعلام ليس ترفًا أو أداة للتجميل، بل هو قوة ناعمة تؤثر فى العقول والوجدان، وتضع مصلحة الوطن فوق أى اعتبار. ومن وجهة نظرى أن الإعلام فى الجمهورية الجديدة لم يعد يكتفى بدور الناقل للأحداث، بل أصبح فاعلًا فى معادلة التنمية، وسلاحًا استراتيجيًا فى معركة الوعي..إنه شريك فى الإنجاز، وجسر للتواصل بين الدولة والمجتمع، ودرع تحمى العقول من الشائعات التى تحاول النيل من وحدة الصف وثقة المواطن فى مؤسسات بلاده.. ومن هذا المنطلق فإن تطوير الإعلام لم يعد مجرد مطلب مهني، بل واجب وطنى يستلزم تضافر الجهود الرسمية والمؤسسية والمجتمعية لإنشاء منظومة إعلامية قوية ومستنيرة. وأرى أنه لكى يتحقق هذا الهدف يجب أن يقوم التطوير على مجموعة من الركائز الجوهرية، أولها الاستثمار فى العنصر البشري..فالإعلامى هو حجر الزاوية فى أى عملية تطوير، ولن ينجح الإعلام فى أداء دوره ما لم يمنح العاملون فيه التدريب المستمر والتأهيل المتطور الذى يواكب أدوات العصر..أما الركيزة الثانية فهى التحول الرقمى الذى لم يعد خيارًا بل أصبح ضرورة حياة ،فالعالم كله يعيش اليوم داخل الفضاء الإلكتروني، والمواطن أصبح أكثر تفاعلًا مع الشاشات الصغيرة من القنوات التقليدية..لذلك فإن الإعلام المصرى مطالب بأن يكون حاضرًا بقوة فى هذا الفضاء، بمحتوى ذكى وجذاب يواكب لغة العصر ويخاطب عقول الشباب، تلك الفئة التى تمثل الوقود الحقيقى للجمهورية الجديدة..الركيزة الثالثة تتمثل فى ترسيخ القيم الوطنية والمهنية فى آن واحد..فالإعلام الوطنى الحقيقى لا يتناقض مع المهنية، بل يتكامل معها.. الإعلامى المحترف هو من يستطيع أن يدافع عن وطنه دون أن يتخلى عن موضوعيته، وأن يساند قضايا بلاده دون أن يفرط فى معايير الدقة والصدق والنزاهة… أما الشفافية وتوفير المعلومات فهى الركيزة الرابعة، إذ لا يمكن للإعلام أن يقوم بدوره التنويرى إذا لم تتوافر له البيانات من مصادرها الرسمية،حيث غياب المعلومة يفتح الباب أمام الشائعات، ويترك المواطن فريسة لوسائل مغرضة تسعى لزعزعة الثقة بينه وبين دولته..لذلك فإن بناء منظومة إعلامية فعالة يستوجب تعاونًا وثيقًا بين المؤسسات الإعلامية والجهات الرسمية، فى إطار من الثقة والوضوح والمسئولية. إننا نقف اليوم أمام مرحلة فارقة فى تاريخ الإعلام المصري.. بلا شك التحديات كبيرة، لكن الإرادة السياسية الداعمة والكوادر الوطنية المؤهلة قادرة على تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية للانطلاق نحو إعلام أكثر تأثيرًا واحترافية.