تلعب مؤسسات المجتمع المدنى وخاصة الجمعيات الأهلية دوراً محورياً.. إذ يُفترض أن تكون أحد جسور التنمية والتطوير.. غير أن الواقع فى كثير من الأحيان يُظهر وجهاً آخر لبعض هذه الجمعيات.. وجهاً يبحث بعض القائمين عليها عن الشهرة والمجد الشخصى أكثر من بحثهم عن خدمة المجتمع، بل بعض الجمعيات الأهلية تضع لنفسها أسماء لا تعبر عن دورها وحجمها مثل المركز الدولى «لكذا».. أو المؤسسة العالمية «لكذا».. أو مركز «كذا» لحقوق الانسان هذا لصنع مكانة اجتماعية مزيفة ويشكل انعكاساً لثقافة الاستعراض التى تسيطر على بعض هذه المؤسسات.. فبدلاً من أن يكون الاسم معبراً عن الرسالة والحجم الحقيقي، يتحول إلى وسيلة للتفخيم وتباهى أعضاء الجمعية بالمناصب على صفحات السوشيال ميديا.
لم يعد مستغرباً أن نرى جمعيات تنفق جهودها ومواردها فى إقامة حفلات تكريم أو ندوات شكلية، تنتهى إلى صور تنشر على مواقع التواصل الاجتماعى لتلميع الأسماء وإبراز القيادات، بينما تبقى القضايا الحقيقية التى تمس المواطن بعيدة عن دائرة الاهتمام.. هذه الظاهرة تفرغ العمل الأهلى من مضمونه، وتحوّله إلى نشاط استعراضى لا يقدم حلولاً، بل يزيد فجوة الثقة بين الناس وهذه المؤسسات ذات الأسماء «الرنانة».
إن خطورة الأمر تكمن فى أن المجتمع قد يفقد إيمانه بدور هذه المؤسسات، فيتعامل معها بوصفها كيانات شكلية تسعى وراء الأضواء، لا وراء التنمية.. بينما فى التجارب العالمية، خصوصاً فى أوروبا ودول عديدة أخري، نجد أن المجتمع المدنى يساهم فى تأهيل الشباب ودعم التعليم ورعاية الفئات المهمشة، والمشاركة فى صياغة السياسات العامة.. تلك المؤسسات هناك لا تركض خلف الكاميرات، بل تكرس جهودها لتقديم برامج ملموسة تترك أثراً حقيقياً فى حياة الناس.
الحل يبدأ من وعى المجتمع نفسه، فحين يدرك المواطن أن دوره لا يقتصر على التلقي، بل يمتد إلى المساءلة والمطالبة بالشفافية، ستضطر الجمعيات إلى إعادة النظر فى أولوياتها.. كما أن على الجهات الرسمية أن تضع آليات واضحة لتقييم عمل هذه الكيانات، بما يضمن أن يذهب الدعم والتمويل إلى الأنشطة التنموية الفعلية، لا إلى مظاهر براقة بلا مضمون.
لا يكفى أن نلقى باللوم على الجمعيات وحدها، فالمجتمع، خاصة فئة الشباب عليه دور مهم فى رفض الاستعراض والمطالبة بالجدية المشاركة الواعية فى أنشطة المجتمع المدني، والتطوع فى المبادرات التى تقدم خدمات حقيقية، هى السبيل لتقويم المسار.. إن تجاهل الناس لتلك الممارسات السطحية ووعيهم بحقيقة دور هذه المؤسسات سيجبر القائمين عليها على العودة إلى مسارها الطبيعى كأداة للتنمية لا كمنصة للشهرة.