الفارق بين قيادة دولة وأخرى هي الثقافة والقدرة على قراءة التاريخ جيدا واستيعاب الدروس والتجارب وتحليل الموقف والحكمة وعدم التسرع في اتخاذ القرار. القيادة الناجحة لا تتوقف عن القراءة، ولا تكف عن التعلم، فقيادة الدول ليست نزهة وإنما هي مصير شعب ومستقبل أمة، كثير من القادة أسقطوا دولهم لأنهم لم يقرأوا التاريخ جيدا، وآخرون نسيهم التاريخ لأنهم لم يستوعبوا دروسه ولم يستفيدوا من عبره، واعتقدوا أن وجودهم فى القيادة يعنى أنهم أصحاب الفهم الأشمل، والقرار الأصوب والرؤية الأثقب. أصابهم فيروس «التعالي» عن محاولة الفهم وتكبروا عن البحث، واستغنوا عن الاستشارة بزعم أنهم مدركون نسوا الحكمة الخالدة.. أنه لا خاب من استشار، فضيعوا شعوبهم ودمروا كل الفرص وفرطوا فى كل المساحات التي كان يمكن أن تصل بهم إلى النجاح.

بينما قادة آخرون تحولوا إلى أيقونات لأنهم قرأوا بفهم واستوعبوا بعلم ووقفوا على الحقائق واطلعوا على كل التجارب وتعمقوا فيها، لم ينفردوا بالقرار ولم ينشغلوا بصناعة العظمة الشخصية، فصنعوا مجدا لأوطانهم وبعضهم لم يعرف الناس حجم ما أنجزوه وعظمة ما صنعوه إلا بعد أن غادروا لأنهم كانوا يعملون بتفان وإخلاص وليس من أجل بروباجندا خادعة. مصر مرت بكل التجارب في القيادة بين من قرأ واستوعب فنجح وصنع الاختلاف، ومن اعتقد أنه أبو المفهومية فسقط سقوطا مدويا. لكننا الآن ومن نعم الله على مصر في هذا الظرف الصعب دوليا وإقليميا أن رئيسها رجل مثقف قرأ التاريخ جيدا بكل دروسه ومحطاته وأزماته ومستوعب لكل التجارب الناجحة وغير الناجحة، ومطلع على ما يحدث فى العالم، ومدرك لما يجرى حولنا، يرفض الانفراد بالقرار بل يستمع ويناقش ويحلل كل موقف ويدرس بدقة كل قرار وتبعاته وما يمكن أن يؤدى إليه يستشرف دوما الغد، كيف يمكن أن يكون أفضل وأكثر أمانا وعينه على الشعب كيف يعيش فى استقرار وكيف يعبر الأزمات.
ولهذا نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى في أن يواجه أخطر المحن بهدوء وصبر وحكمة لأنه قارئ جيد للتاريخ واستطاع أن يستثمر كل الفرص لصالح مصر والمصريين واستعادة القوة والنفوذ لأنه مستوعب لكل ما يحيط بنا، وتمكن من أن يحافظ على مصر آمنة مستقرة وسط محيط مضطرب ومتقلب لأنه يعى تماما ما يجرى من مخططات وأهداف لقوى إقليمية ودولية.

الرئيس بحكمته التي تتسم بالواقعية والثقة والهدوء ورؤيته التى تقوم على الفهم العميق والتحليل الدقيق لكل التفاصيل جنب مصر الكثير من المخاطر، وأبعدها عن مطبات عديدة ومؤامرات صعبة، لم ينخدع بإغراءات براقة ولم ينجرف وراء أطماع زينها البعض بخبث ولم ينساق لمواجهات كانت مخططة خصيصا لإسقاط مصر. رفض الرئيس كل هذا بحكمة وفضل أن يبحث عن النجاح، أن تكون مصر بلداً قادراً على صناعة النجاح وامتلاك القوة التي تؤمن شعبها ومصالحها وأمنها، بلداً يبنى ويعمر ويقدم النموذج في السلام والرشد.
ربما بعض أو كثير مما فعله الرئيس من أجل حماية مصر لا يمكن الحديث عنه أو ذكر تفاصيله لأسباب تتعلق بالأمن القومى والظروف المحيطة بنا، لكن يكفينا أن ننظر حولنا لنعرف كيف نجونا ونجحنا، يكفينا أن نسأل أنفسنا..
ماذا لو كان قد حدث معنا مثلما حدث مع غيرنا من دول الجوار والاقليم. قديما قالوا لا يشعر بالصحة إلا من ذاق المرض، ولا يشعر بالأمن إلا من عرف الخوف، ولأن كثيرين منا لم يعرفوا الخوف والقلق بسبب الدولة القوية بعون الله فلا يصدقون أننا كان يمكن أن يحدث لنا ما حدث لغيرنا لولا ستر الله ثم القيادة الواعية الحكيمة والجيش الصلب والمؤسسات الوطنية اليقظة. بعضنا ما زالوا للأسف يعتقدون أننا عندما نتحدث عن المخططات فإننا نضخم الأمور، لأنهم مخدوعون من وسائل التواصل الموجهة والقنوات المأجورة التي تحاول حصارهم بـ «أكاذيب» وأوهام وتصنع لهم حالة من الغضب والرفض الدائم ضد الدولة.
كل هؤلاء يحتاجون قراءة الأحداث جيدا والتفكير للحظات، وسؤال أنفسهم.. هل كنا بعيدين عن الفوضي؟ هل كنا محصنين ضد الميليشيات التي دخلت واحتلت وسيطرت على بعض الدول؟ هل نحن بعيدون عن المؤامرة التي تستهدف المنطقة؟ ثم هل كان التهجير واقعا أم خيالاً؟ إجابة هذه الأسئلة بموضوعية ستكشف لهم أننا لم نكن بعيدين عن الفوضى ولا محصنين ضد الميليشيات وجماعات الخراب ولا كنا مستبعدين من المؤامرة، ولا التهجير كان مجرد خيال كل القصة أن الله حمى مصر بشعب واع التف حول قيادته الوطنية وجيشه القوى وشرطته الوطنية، وأن القيادة التى تحملت المسئولية كانت على قدرها وعملت بإخلاص ليس فقط لحماية الوطن وإنما لبناء دولة قوية قادرة على المواجهة دولة تحافظ على هويتها وتحمى مقدراتها وتمتلك إرادة وقوة ردع لمن يفكر في الاقتراب منها.
هنا القيادة لم تفعل ذلك إلا لأنها قيادة قارئة للتاريخ واستوعبت كل ما سبق من حروب وأزمات وكل ما تعرضت له مصر وغيرها من الدول سواء محن أو مواجهات ومخططات، وكل من نجح ولماذا وصل للنجاح وكل من فشل ولماذا سقط، وكيف صنعت الدول تجاربها، وكيف تخطت الصعاب.
هذه القيادة القادرة على التحليل بعمق والتحرك بحنكة والسير بين أشواك منطقة مليئة بحقول الألغام هي التي تستطيع وسط كل هذا الضباب الكثيف أن تصنع الاختلاف وتبنى بحكمة، وأن تجعل مصر رقماً عالمياً ومواقفها مقدرة وكلمتها مسموعة. هذه القيادة هى القادرة على أن تحول مصر من حافة الفشل إلى نموذج النجاح الذي يحتذى ومن تحدى المخاطر إلى صناعة الأمل.. عندما ننظر إلى ما حدث من مصر في ملف غزة وما تحقق فى شرم الشيخ فهذا ليس صدفة بل نتاج صناعة دولة قوية وقادرة ومؤثرة.
وعندما نقرأ ما حدث مع مرشح مصر لليونسكو سنجد أنه أيضا ليس مفاجأة بل نتاج دولة استعادت مكانتها واستعادت ثقة العالم واحترامه لتاريخها وعظمتها.
عندما نعيد النظر فيما حدث لمصر خلال السنوات الماضية ونجاتها من الإرهاب ومن السقوط الاقتصادى فهذا نتاج دولة تمتلك عقلا واعيا ومدركا وقارنا لكل ما يحدث بعمق وقادرا على أن يصنع من المحن والمخاطر نجاحا وعبورا. عندما نقف أمام المشروع الكبير لإصلاحمؤسسات الدولة نتيقن أن هذا خلاصة تخطيط علمى قائم على امتلاك القوة الشاملة للدولة وعندما نرصد ما تحقق للقوات المسلحة من تطوير ظهر فى الكفاءة القتالية والجاهزية وامتلاك قوة الردع الحاسمة نعرف أن هذا ليس مجرد رغبة في التطوير وإنما فلسفة قائمة على إدراك بحجم التحديات التي تهدد الدولة الآن ومستقبلا، وعندما نشاهد ما تحقق للشرطة من كفاءة وارتقاء بمهارات فرض الأمن وصناعة الاستقرار الداخلي نتأكد أن هذا خلاصة رؤية قيادة تؤمن بالعلم، هذه هى عبقرية القيادة التي تقرأ التاريخ وترى بعين عميقة وتحلل بعقل راجح وتعرف قيمة ومكانة البلد الذي تقوده.