له تجربة وطنية صقلته وجعلت منه شخصية قيادية ومفكراً مصرياً وقاده تفوقه فى كلية الحقوق للعمل فى السياسة التى لم تكن غريبة على أسرته حيث كانت والدته وراء النشئة السياسية له منذ الصغر.. ونزعته الوطنية التى اكتسبها من والدته عاشت معه طوال حياته وهى التى جعلته ينذر نفسه كدارس للقانون للدفاع عن سجناء الرأي.. برز نضاله فى مشاركة الشعب المصرى ثورته ضد الملك فؤاد واستمر على نهجه فى الدفاع عن حقوق المواطن المصرى فى الحياة الكريمة وكانت تشجعه شقيقته التى كانت زعيمة لطالبات المدرسة السنية عندما انتقلت الأسرة بعد ولادته إلى حى السيدة زينب أشهر أحياء مصر فى بداية القرن الماضي.
والده كان مهندس الرى فى المنيا وأسيوط وبعدها القاهرة زرع فيه نخوة الشجاعة الوطنية وذاع صيته بانتقاده للملك فاروق وكان رفيق حياة المناضل أحمد حسين واطلقا معا عندما كان طالبا بالحقوق مشروع «القرش» لتشجيع الصناعة المصرية وإخراج الاقتصاد الوطنى من عثرته.. فهو ينطبق عليه الجملة المهمة «فقر شبيه الغني.. وغنى أقرب إلى الفقر» وفى سبيل تحريربلده حمل شعار لا مفاوضات إلا بعد الجلاء.. اختلف مع رفيق صباه فى حزب مصر الفتاة وزاع اسمه فى الأوساط السياسية والفكرية لما يطرحه من آراء وترك حزب مصر الفتاة الذى استمر فيه من «1933-1937» وأنشأ حزبا عام 1944 على مبادئ الحزب الوطنى الذى أنشأه مصطفى كامل.. واتهم بالعبث فى الذات الملكية وبسبب آرائه دخل السجن قبل ثورة يوليو 1952.. فهو الذى أرخ للنضال الوطنى وأصدر كتابه الفكرى المهم «عصر ورجال» والذى تناول فيه 13 شخصية سياسية وفكرية بينهم أمير الشعراء شوقى وأستاذ الأجيال لطفى السيد وحافظ إبراهيم وسلامة موسي.. انه المفكر السياسى القانونى فتحى رضوان.
رضوان تم اعتقاله مرتين كان هذا سببا فى نضجه السياسى ونضاله الوطنى فى عهد الملك فؤاد فقد سجن فى المرة الأولى مع حافظ محمود وأحمد حسين وكان للاعتقال صدى كبير فى الشارع السياسى وفى المرة الثانية فى عهد الملك فاروق بعد حريق القاهرة فى 26 فبراير 1952 حيث اتهم مع آخرين بحرق القاهرة وظل معتقلا حتى قامت الثورة، أما الاعتقال الثالث فقد كان عام 1981 ضمن اعتقالات 5 سبتمبر وكان عمره قد تجاوز الـ 75 عاما ومعه 536 معتقلا بينهم فؤاد سراج الدين ومحمد حسنين هيكل وزامله فى الغرفة صلاح عيسي.. وظل فارسا ونجما فى الكتابة الصحفية وبخروجه من المعتقل الثانى بعد الثورة أصبح واحدا من وزرائها حيث تولى حقيبة الإعلام كأول وزير للإعلام وللثقافة والإرشاد بعد الثورة وأصدر كتابه «72 شهراً مع عبدالناصر».. فهو رجل صقلته المحن واستطاع أن يقدم للمكتبة العربية نحو 40 كتابا.. جمعت بين الأدب والسياسة بينها كتابه «محمد.. ومحمد الثائر الأعظم» وظلت مقالاته نبراسا مهما للشباب فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى خاصة مع إصدار اللواء عام 1944 وسببت له المتاعب مع القصر والذات الملكية.
المولد
ولد فتحى رضوان فى 14 مايو 1911 بالمنيا.. وبعد مولده بينما هو فى الثالثة من عمره انتقلت الأسرة مع والده المهندس فى الرى إلى حى السيدة زينب وكان لهذا الانتقال للطفل الصغير بجوار «أم هاشم» أثر كبير فى النشأة فقد كان الحى زاخرا بالتيارات الفكرية والوطنية إضافة إلى أن أسرته سياسية وربت أبناءها فى بيئة وطنية خالصة فوالدته كانت من مؤيدى الزعيم الوطنى مصطفى كامل ومن أنصاره وأخته زعيمة فى الحركة الطلابية بالمدرسة السنية.. نال الابتدائية وعمره 13 عاما عام 1924.. ونتيجة لتنقل والده اصطحبه معه إلى أسيوط حيث التحق بإحدى مدارسها الثانوية ومنها عاد للقاهرة والتحق بكلية الحقوق التى تفوق فيها دراسيا.. دخل غمار العمل السياسى مع صديق صباه الزعيم أحمد حسين حيث أسسا معا حزب مصر الفتاة الذى استمر لـ 4 سنوات وأطلقا مشروع «القرش» لتشجيع الصناعة الوطنية ومكافحة الحفاء بالتبرعات والجهود الذاتية.. وكان لهذا المشروع صدى كبير فى الشارع المصري.. بعد الاختلاف بينه وبين أحمد حسين بحث عن تأسيس حزب سياسى على غرار حزب مصطفى كامل واصدر معه اللواء الجديد واصدر أول اعدادها فى 13 نوفمبر 1944.
الطريق بعد المعتقل
من خلال جريدة اللواء ترك فتحى رضوان العنان لقلمه السيال والوطنى وهاجم الملك فاروق وتعرض للاعتقال للعيب فى الذات الملكية وظل فى هذا الاعتقال حتى قامت ثورة يوليو عام 1952.. وكان قد ذاق مرارة الاعتقال فى المرة الأولى من خلال خطبة واصدر كتابه الأول عام 34 عن الزعيم الهندى المهاتما غاندى وخلال هذه الفترة الف كتابين عن الرسول محمد بن عبدالله «عليه الصلاة والسلام» وبعدها تأثر بالزعيم موسولينى وبالكاتب الروسى تولستوى واصبح له خط فلسفة وطنية فى ممارساته السياسية ما بين المقاومة السلمية والعنف المماثل لحركة «الشين فين» فى ايرلندا.. فقد تميز رضوان بأنه لم يكن سياسياً بارعاً فقط بل مناضلاً استثنائياً ومثقفاً عذب الحديث وسديد الرؤية.
نبأ الثورة
سمع فتحى رضوان خبر الثورة عن طريق الراديو بصوت الرئيس الراحل أنور السادات بينما كان فى المعتقل الذى دخله بعد حريق القاهرة وإعلان الاحكام العرفية وكان اعتقاله بقرار «شفوي» حيث أمر على ماهر رئيس الوزراء باعتقاله وبينما فى المعتقل سمع خبر الثورة ويقول فى حديث للكاتب العربى د. نجم عبدالكريم فى روزاليوسف نشر فى 5 سبتمبر 2011: لقد طرت فرحاً وانا اسمع صوت الرئيس السادات «أحد الضباط الأحرار» الذى كلف بإعلان قيام الثورة.. وساعتها والكلام لـ د.»رضوان» ايقظت زملائى يوسف حلمى وسعد كامل لسماع الخبر.. بعدها اخبره ضابط ان يكون مستعداً للخروج وان طائرة خاصة ستنقله إلى محطة بوكلى «الرمل بالإسكندرية» ولم يكن يعرف احد من أعضاء الثورة سوى السادات الذى ترافع عنه وآخرين فى قضية «أمين عثمان».
إطلاق سراحه
وبالرغم من ان اعتقاله صدر بقرار شخصى من على ماهر فالإفراج عنه صدرأيضاً بأمر على ماهر بهدف أن يقوم بالوساطة بين ماهر نفسه وأعضاء قيادة الثورة ظناً منه أنه على علاقة بالضباط الاحرار.. والتقينا و»الكلام لفتحى رضوان» بعبد الحكيم عامر وابدى له تخوفه من استمرار على ماهر رئيساً للوزارة بعد الثورة.
يقول فتحى رضوان رحب بى عبدالناصر بصورة لافتة وذكرنى بحزب مصر الفتاة واننى كنت استاذه.. يضيف انه شرح لمجلس الثورة وجهة نظره التى اخذ بها الضباط الاحرار وبالفعل خرج على ماهر من الدائرة سريعاً بعد رحيل الملك.. وتم ترشيح سليمان حافظ فى تلك الفترة رئيساً للوزارة والذى كان معرضا للاعدام فى قضية اغتيال «السردار» قبل الثورة.. وقد اقترح إنشاء وزارة للإعلام والارشاد والثقافة ولم تكن فى مصر وزارة للإعلام بعد.
ويعتبر رضوان هذه الفترة مهمة له فى العمل الوزارى فى عدة وزارات وأسس وزارة وكوادرها البشرية الأولى لتحقيق وعى ثقافى وانتماء بالثورة الوليدة فقد كان نجيب محفوظ يعمل بوزارة الاوقاف ويحيى حقى بوزارة التجارة وجاء بالعشرات من المثقفين لوزارة الثقافة.. وضم اليها مصلحة الآثار.. واغرب رد فعل عليه عندما بدأ تجربة طبع الكتب للثقافة ففوجئ بأحد الضباط يقول له «يا فتحى انت بتنفخ فى قربة مقطوعة فلا أحد يقرأ» فرد عليه لو قارئ واحداَ قرأ أصبح لدينا مكسباً فرد ناصر وقال له انا القارئ الوحيد الذى سيقرأ بكل سعادة!! وخلال هذه الفترة عهد للضابط أمين شاكر يترجم العديد من الكتب السياسية.
أزمة أوركسترا القاهرة السيمفونى
فى يوم ما قال له ناصر ا نه متهم بالعمل لصالح إسرائيل لسبب دسيسة ضده عندما دعا فرانز ليتشاور لانشاء اوركسترا القاهرة السيمفونى وحين حضر قائد الاوركسترا العالمى وكانت الدسيسة انه عزف سيمفونية «إسرائيل» المستوحاة من التوراه وهو يهودى متعصب.. ولم يدر ان هذا يعرضه لتهمة «الخيانة العظمي» واستغلت ضده التقارير وكان حسين فوزى المتخصص فى الموسيقى وقتها وطلب منه رضوان ان يختار من يشاء للإشراف على إنشاء الاوكسترا عن طريق الخارجية وارسلت الخارجية إلى النمسا عبر وزارة الثقافة فرشحوا «ليتشاور» باعتباره اسس العديد من الاوركسترا حول العالم.. فجاء مصر وعمل بإخلاص وأكدت التحريات بعد ذلك انه ليس يهودياً بل مسيحى كاثوليكى وكذلك زوجته لكن الحديث زرع الوساوس عند عبدالناصر عن الرجل ودافع كثيراً عن فترته فى الوزارة بانه ليس «جوبلز» وحقق رضوان أهدافاً عظيمة فى وزارة الثقافة.. وأمام الدسائس التى وصلت للرئيس عبدالناصر ضده قال له يوماً «أنا مش فاضى لمشاكل وزارتك» اما ان تحلها أو ألغيها!! وخرج من الوزارة وما لبث ان أعاده ناصر مرة أخرى وعلى إثر ذلك تم انشاء مصلحة الاستعلامات والمجلس الأعلى للفنون والآداب وقد كان ناصر عاشقاً للثقافة ووجد من الجهازين فائدة للوزارة ونجح فتحى رضوان فى الثقافة ومهد الطريق لكوادرها فى مرحلة مبكرة من ثورة يوليو ضمنها كتابه 72 شهراً مع عبدالناصر.
واعتذر عدم قبول وزارة الثقافة وتم اختيار ثروت عكاشة وزيرا وكان يشغل منصب سفير مصر فى إيطاليا عام 1958 وحمل رضوان لقب أول وزير إرشاد وثقافة للثورة، بينما كان لقبه الثانى افوكاتو الوطن بتوليه المؤسسة العربية لحقوق الإنسان.
أمه غرامه الأول
كانت والدته غرامه الأول وكانت الملاذ والحضن الدافيء وهى حياته غذاؤه وهواؤه وكان والده مثلا اعلى فى اخلاصه للعمل وتميزت امه بأنها سيدة قوية تأثر بها أولادها كما تأثر بخاله الأكبر المتصوف فى العمل على خدمة الناس وفى الحى الشعبى دارت أيام الطفولة حيث كانت منطقة السيدة تجمع الاثرياء والفقراء وعرف تقسيمات الحى كاملة وشوارعه ودروبه محمد الكبش والصليبيين والمدبح وشاهد المواكب كموكب زين العابدين الذى ينصب بين المدبح ومسجد السيدة وعرف الاحواش واطلع على اسرار اشهر حى شعبى فى القاهرة وهو الحى الذى كتب رفيق صباه يحيى حقى قصته «قنديل أم هاشم».. والتحق بمدرسة محمد على شبه الوحيدة فى الحى فى الابتدائي.. وكانت وسيلة النقل الاساسية للطالب فتحى هى «الترام».
«عهد الكلاب»
كان مقاله الذى كتبه فى اللواء الجديد وهو الذى تجذر بمصطلح مصر أولا.. وكتب المقال من خلف اسوار السجن فى العهد الملكى ووصفه بأنه عهد الكلاب وقدم للمحاكمة بتهمة العيب فى الذات الملكية.. وسجن وخرج بعقلية المثقف بافكار مهمة ضد السراى والاحتلال.
يعرف عن فتحى رضوان أنه لم يترك قضية وطنية لم يتطوع فى الدفاع عنها والترافع فيها فقد كان محاميا لمحمد ابراهيم كامل فى قضية مقتل امين عثمان وهى القضية التى تعرف فيها على الرئيس الراحل انور السادات الذى كان متهما ايضا.. واصبح ابراهيم كامل فيما بعد وزيرا للخارجية بعد اختياره لوزارة الارشاد وباعتبار ان اهم عنصر للاتصال بالجماهير هو الاعلام وبالتالى كان لابد من وزارة لان الثورة تحتاج وقتها للتوعية واليقظة والتحرك الايجابي.. ولم يختلف مع اى من الضباط الاحرار.
السياسة والثقافة
فى سيرة فتحى رضوان كما يقول الكاتب الصحفى جلال السيد الثالوث الصحفى فى السيدة وهو مدرسة محمد على الابتدائية ودار العلوم التى انشأها على باشا مبارك 1871 ومدرسة السنية التى أنشأها الخديو اسماعيل ففى هذا الحى الشهيد، اللواء، السياسة اليومية ــ الكشكول دار الهلال، والمقطم، والمقتطف، للطائف المصورة ــ مطبعة مصر دار البلاغ لعبدالقادر حمزة مجلتا الصباح وابى الهلول لمصطفى القشاش.. والمجلة الجديدة لسلامة موسى والجهاد لتوفيق دياب وفى هذا الحى بيت الامة ــ دار المندوب السامى مجلس الوزراء وزارات الداخلية والعدل والمالية ومجلس الامة.. وهو الحى الذى حدث فيه اول قتل سياسى لبطرس غالى 1910 واحمد ماهر 1945 والنقراشى 1948 وكان السيرستاك سيردار الجيش المصرى قد قتل فيه 1924.. وبالطبع الحى يتزين بأيقونة مسجده السيدة زينب الذى منح الحى اسمه.. وينتسب إلى هذا الحى المنفلوطى وعبدالعزيز البشرى والشاعر احمد رامى وتوفيق عبدالحليم وعلى الجارم والاديب محمد السباعى ويحيى حقي.. وفى احد بيوتها انشأ حافظ محمود جمعية العلم وكم شهد لقاءات رضوان واحمد حسين عبر صداقة استمرت نحو نصف قرن.
منشور بالمدرسة
فى مدرسة محمد على قام د. فتحى رضوان وصديقه احمد حسين بطبع منشور فى مغامرة غير محسوبة ووزعاه على زملائهما وعندما علم ناظر المدرسة محمد توفيق وقتها التقى بهما واخذ عليهما تعهدا بعدم تكرار ذلك مرة أخري.. وفى احد الانتقالات والده كان قد انتقل إلى اسيوط وبنى سويف وهناك فى بنى سويف التقى د. رضوان بمصطفى الوكيل وكمال الدين صلاح.. وفى الجامعة التقوا معا ومعهم احمد حسين فيما كان كمال الدين صلاح فى العلوم.
حديث مع عبدالناصر حول فيلم
فى حديث بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر حول فيلم أريد أن أعيش.. الذى مثلته سوزان هيوارد وطالب البعض بمنع عرض الفيلم بسبب البطلة التى شاركت فى مؤسسة يهودية تجمع تبرعات لاسرائيل من يهود امريكا.. وسأله عبدالناصر متى تفرج عن الفيلم فابدى له ما كتب عنه فقال له «أفرج عن الفيلم» ووقتها وجد د. رضوان التهم التى وجهت إلى الممثلة لا أساس لها وتم عرض الفيلم.
شهادة ابنه
يقول المستشار عصام فتحى رضوان الذى سار على خطى والده فى احد الاحاديث الصحفية إنه دخل كلية الحقوق وورث عن والده حب الوطن عاش فترة طويلة مع أولاده فى منزلهم بشارع صلاح الدين وهو المنزل الذى شهد أزهى ايام حياة د. فتحى رضوان.. يقول: كيف نضع تمثالاً لسليمان باشا الفرنساوى ويستبعد طلعت حرب وحمل شعار تكريم طلعت حرب حينما كان طالبا وايضا تكريم كمال الدين صلاح الذى كان شقيق زوجته وتم اغتياله فى الصومال عام 1956 امام القنصلية المصرية بطعنات غادرة وذكر ذلك الكاتب احمد بهاء الذين فى كتابه «مؤامرة افريقيا» وكان كمال الدين صلاح عضو لجنة الوصايا بالصومال حتى تقرير المصير.. وهو والد زوجة السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية وسبب اغتياله أنه كان ضد المخططات الاستعمارية التى تغذى الفرقة بين القبائل وقتها وكان كمال الدين صلاح مكلفا بالعمل لوحدة الصومال.
ضريح ومتحف مصطفى كامل
يعود إنشاء متحف مصطفى كامل وضريح بجوار حديقة الخالدين فى منطقة القلعة لفتحى رضوان وأثناء نقل رفاته أقيمت له جنازة عسكرية وتم حسب رغبته دفنه معه وهو الضريح الذى صممه أبو بكر خيرت المعمارى الشهير ودفن فيه د. فتحى بعد وفاته عام 1988.
من عشاق المترو
كان فتحى رضوان من سكان مصر الجديدة ومن عشاق ركوب المترو كل صباح للذهاب إلى عمله وكان يعتبر المترو ندوة متنقلة تضم كل الفئات أطباء ومحامين وكُتاباً وعمالاً وطلبة.. وكان من العشاق معه أمين الخولى وإبراهيم رمزى ولطفى جمعة ومحمد شفيق باشا وصبرى أبو علم وزير العدل والفنان عباس فارس والمخرج حسين فوزى وغيرهم.
الضابط الذى توسط له استقبله
موقف طريف يوم اعتقاله عندما جاء الضباط إلى منزله بصلاح الدين اتصل بابنه اللواء عادل الرملى مدير معهد تدريب قوات الأمن المركزى وطلب من ابنه أن يذهب والده عند أقربائهم فى الريف وكان د. فتحى فى الإسكندرية وقابله ابنه المستشار عصام فى محطة مصر وطلب منه ذلك لكنه رفض.. وفى المنزل وجد الضباط فى انتظاره وكانت زوجته قد أعدت له الحقيبة واختار كتاباً للقراءة فى السجن «مذكرات غاندي» وكان مأمور النزهة ابن مفتش مترو مصر الجديدة وهى المفاجأة التى كانت تنتظر د. فتحى رضوان فقد كان والد المأمور قد طلب من د. فتحى التوسط له لإدخاله الشرطة وكانت مفاجأة وعامل المأمور د. فتحى باحترام كبير.
من مؤلفاته
عصر ورجال جزآين
الخليج العاشق والذى تناول فيه أحد أهم شوارع الحي
دور العمائم المصرية فى تاريخ مصر الحديث
سيد الخلق «محمد الثائر الأعظم»
خط العتبة
محام صغير
72 شهرا مع عبدالناصر
منيل الفجر
دموع ابليس
شقة للإيجار
أخلاق للبيع
أحزاب ما قبل الثورة هواة
فى حديث له مع مجلة المصور نشر على عدة صفحات فى حوار الأسبوع بعد خروجه من السجن للمرة الأخيرة فى أحداث سبتمبر 1981 وبرغم انه ليس من المحبين لنبش الماضى قال وهو الذى عاصر الأحداث قبل الثورة وبعدها: «ملاحظاتى هى انه فى الواقع الحياة السياسية قبل الثورة لم تكن تدعو للسرور.. ومضى يقول وجميع الزعماء لم يكونوا إلا هواة.. لم يكن هناك العمل الكامل وكلهم كانوا يعملون بعض الوقت فى السياسة».
الوفاة
كان د. فتحى رضون قد تعرض لعدة أزمات صحية وقد بلغ 77 عاما وكانت الأزمة الأخيرة قبل الوفاة مباشرة قد فاجأه نزيف حاد يوم 2 أكتوبر 1988 ونقل على اثره إلى مستشفى المقاولون العرب وفشلت جهود الأطباء فى إنقاذ حياته.. وكان قبل عام من هذه الأزمة قد أصيب بالشلل وتم علاجه بقرار من الرئيس مبارك على نفقة الدولة فى لندن ومع الأزمة الأخيرة كان القرار الطبى بالعلاج بمستشفى المقاولون الذى توفى به.
شيعت جنازته بحضور شعبى لمناضل أثرى الحياة السياسية فى مطلع القرن الماضى لفترات طويلة من حياته تولى خلالها منصب أول وزير للثقافة والإرشاد فى عهد الثورة وترك للمكتبة العربية 40 مؤلفا ما بين الكتب السياسية والمسرح والآداب المختلفة ومهما كتبنا عن فتحى رضوان فهو قليل لقيمة وطنية وفكرية سياسية كان له خط ثقافى وأدبى ويحسب له انه وضع لبنة مهمة فى البناء الثقافى للدولة المصرية بعد الثورة ويرى ان الثقافة القومية خط دفاع أساسى يتوازى ويتكامل مع خط التنمية الاقتصادية والعسكرية وان الثقافة عنده هى السر الحقيقى لقوة الأمم وان الثقافة النابضة بالحياة تحفظ تماسك الشعب وقوته ولا تهزه المحن وهى الوعاء الذى يضم أبناء الأمة مع بعضهم.. وليس غريبا أن يرفض مصطلح الشرق الأوسط باعتباره مصطلحا استعماريا من كانوا معه فى المعتقل فى أحداث سبتمبر وكان الكاتب صلاح عيسى يشاركه زمالة «الزنزانة» يؤكدون ان الرجل ظل منتصراً بمبادئه وكان تلميذا وفيا لمصطفى كامل ومحمد فريد ويرفض المساومة على حقوق الوطن ونموذجاً فكرياً وقانونياً للعطاء بلا حدود.
اسدل الستار على حياته فى أكتوبر 1988 ودفن مع رفيقة مصطفى كامل ومحمد فريد وتظل سيرته بما فيها من نضال وطنى شريف محل تقدير واحترام لمن عملوا معه والمعارضين له، فالدكتور فتحى رضوان الذى أسس أول جمعية عربية لحقوق الإنسان كان مفكرا سياسيا وقانونيا من طراز نادر وفريد.. وتم وداعه من محبيه معارفه وبعض المعاصرين لنضاله ومن عملوا معه وستبقى سيرة الرجل عاطرة تتناقلها الأجيال.
