تشكّل الإستراتيجية الوطنية للسياحة فى مصر، التى تم إطلاقها لتكون جزءاً محورياً من رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة. وهى خطة طموح وشاملة تهدف إلى تحويل القطاع السياحى إلى أحد أهم روافد الدخل القومى ومُحرك رئيسى للنمو الاقتصادى، حيث وضعت الإستراتيجية هدفاً جريئاً وغير مسبوق يتمثل فى الوصول بعدد السائحين الوافدين إلى 30 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2028 أو 2030، وهو ما يتطلب تحقيق نمو سنوى متسارع فى الحركة السياحية يتراوح بين 25 ٪ و30 ٪، وتعتمد هذه الرؤية على ثلاث ركائز أساسية متكاملة هي: تسهيل الوصول للمقصد المصرى، وتحسين التجربة السياحية ورفع مستوى الخدمات، وزيادة الطاقة الاستيعابية الفندقية والطيرانية، وتعمل هذه المحاور بالتوازى لضمان تحقيق الاستدامة والقدرة التنافسية فى السوق السياحى العالمى، ويبدأ المحور الأول، المتعلق بإتاحة الوصول، بزيادة الطاقة الاستيعابية لقطاع الطيران عبر تدشين خطوط جوية جديدة وفتح أسواق طيران منخفض التكلفة ومنتظم وعارض بين مصر والأسواق السياحية الرئيسية والمستهدفة فى أوروبا وآسيا والخليج، وتضمنت الجهود تطوير وتحديث البنية التحتية للمطارات، وفتح مطارات دولية جديدة مثل مطار سفنكس لخدمة منطقة الأهرامات والمتحف المصرى الكبير، إضافة إلى تيسير إجراءات الدخول عبر توسيع قاعدة الجنسيات التى يمكنها الحصول على التأشيرة الإلكترونية أو التأشيرة الاضطرارية، لتشمل أكثر من 180 جنسية وفق ضوابط محددة، مما يزيل عوائق السفر ويجعل مصر مقصداً يسهل الوصول إليه، كما يتم العمل على تطوير شبكة الطرق والسكك الحديدية لربط المقاصد السياحية ببعضها البعض بكفاءة عالية، مثل تطوير طرق الأقصر وأسوان والبحر الأحمر.
أما المحور الثانى، وهو تحسين التجربة السياحية ورفع تنافسية المقصد المصرى، فيرتكز على جوانب متعددة تبدأ بـالإصلاح المؤسسى والتشريعى، من خلال تحديث القوانين المتعلقة بالاستثمار السياحى والمنشآت الفندقية وتغليظ عقوبات سرقة الآثار، مما يسهل الإجراءات على المستثمرين ويرفع من مستوى الأمان الثقافى للمواقع الأثرية، وتركز الاستراتيجية بقوة على إبراز تنوع المنتجات السياحية المصرية التى لا تقتصر على النمط الثقافى والشاطئى التقليدى، بل تتسع لتشمل السياحة العلاجية، وسياحة المؤتمرات، والسياحة النيلية (مع خطط لزيادة غرف الفنادق العائمة إلى 25 ألف غرفة)، وسياحة السفارى والمغامرات فى الصحارى والواحات، والسياحة الدينية كمسار العائلة المقدسة وتطوير منطقة التجلى الأعظم فى سيناء، مع التركيز على المدن السياحية الجديدة مثل العلمين الجديدة والجلالة لتكون وجهات حديثة جاذبة، كما يُعد تطوير العنصر البشرى ورفع كفاءة العاملين فى القطاع السياحى من أولويات هذا المحور، لضمان تقديم خدمات عالية الجودة تضاهى المعايير العالمية، وتتبنى الإستراتيجية خططاً تسويقية وترويجية حديثة ومكثفة، تعتمد على التكنولوجيا الرقمية، والشراكة مع مؤسسات إعلامية عالمية كبرى للترويج للمقاصد المختلفة، وتستهدف الأسواق ذات الإنفاق المرتفع لزيادة متوسط إنفاق السائحين. وفى هذا الإطار، يُعد الافتتاح الرسمى الوشيك للمتحف المصرى الكبير هو الحدث الأبرز الذى يُعوّل عليه لإحداث طفرة نوعية فى السياحة الثقافية، مع تطوير منطقة الأهرامات بالكامل لتقديم تجربة عالمية متكاملة للزائر.
وفيما يتعلق بالمحور الثالث، وهو زيادة الطاقة الاستيعابية، فإن الاستراتيجية تسعى جاهدة لضمان قدرة القطاع على استيعاب الأعداد المستهدفة من السائحين، حيث يتم العمل بالتعاون الوثيق مع القطاع الخاص – كشريك أساسى – لزيادة عدد الغرف الفندقية من حوالى 211 ألف غرفة إلى حوالى 290 ألف غرفة، مع تحقيق توازن جغرافى لهذه الغرف فى مختلف المحافظات والمقاصد، ويشمل هذا المحور تقديم حوافز وتسهيلات مالية غير مسبوقة لتشجيع الاستثمارات السياحية، وإنشاء «بنك لفرص الاستثمار السياحي» لترويج الفرص المتاحة محلياً ودولياً، كما تؤكد الإستراتيجية على ضرورة الحفاظ على الاستدامة البيئية والتراثية فى جميع مشروعات التنمية السياحية، مما يضمن أن يكون النمو الاقتصادى للقطاع مستداماً ومسئولاً اجتماعياً، حيث يتم التركيز على دعم المجتمعات المحلية وتشجيع الصناعات والحرف اليدوية المرتبطة بالسياحة، ورفع مساهمة القطاع فى الناتج المحلى الإجمالى وخلق فرص عمل جديدة للشباب، وكنتيجة لهذه الجهود، شهدت الإيرادات السياحية والسائحين الوافدين نمواً ملحوظاً فى السنوات الأخيرة، لتعكس مرونة القطاع وقدرته على التعافى السريع من التحديات الإقليمية والعالمية، مما يعزز الثقة فى قدرة مصر على تحقيق هدف الثلاثين مليون سائح وتحويلها إلى المقصد السياحى الأكثر تنوعاً والأعلى تنافسية فى العالم.
وللحديث بقية.