بعد العام 2011 اختلطت الأمور لدى النخبة العربية وصار أغلب ما يلمع ذهبا رغم زيفه وانعدام أصله تماما مثلما جرى مع غالب ماسمى بثورات الربيع العربى والتى التبس فيها الامر على الكثير من مثقفينا وانحازوا اليها دون وعى طالما هى ترفع شعارات ضد الانظمة الحاكمة… وتركت إسرئيل لدى أغلب هذه القوى والتيارات لم تمس منهم ولو بكلمة ولن نقول بطلقة لانها لم تفعلها أبداً وصار اللبس واضحا بين «المقاومة والإرهاب» ورغم ذلك إنحازوا للضجيج ولم ينحازوا للحق فضاعت البوصلة وصارت أغلب تلك الثورات المزعومة أداة فى يد القوى الغربية والموساد الإسرائيلى …. وبعد عملية «طوفان الاقصي» عام 2023 تدهورت القضايا وأحكمت حول عنق «الامة» قيود من التبعية والهيمنة والاذلال الصهيونى البغيض!
> فى هذا السياق نتذكر ما قاله يوما أحد أعظم شهداء فلسطين الشهيد الدكتور فتحى الشقاقى مؤسس وأمين عام حركة الجهاد فى فلسطين والذى استشهد فى 26/10/1995 : المثقف هو أول من يقاوم وآخر من ينكسر! وهى قاعدة ذهبية وتاريخية يمكن من خلالها قياس المثقف الحق والقوى الحقة من تلك التى تلمع كالذهب ولكنه ذهب كالصفيح، وتمارس الإرهاب والفوضى ولا حظ لها من المقاومة الحقيقية فى فلسطين وخارجها !
>>>
> لا يزال بعض مُثقفينا من العرب يخلطون اليوم 2025 بين الإرهاب والمقاومة، ويتعمّدون تشويه كل عملٍ مقاوِم، والتقليل من شأنه، وإبراز الارهابون خاصة فى بلاد الشام ومصر وكأنهم «مجاهدون» رغم أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد إسرائيل بل وتنازلوا عن أغلب الأرض التى يحكمونها! وأحد التفسيرات أن أغلب هؤلاء لايزال مُلتحقاً بأنظمة حُكم تابعة ورهينة لواشنطن وتل أبيب، هؤلاء يتعمّدون الإساءة للمقاومة العربية فى لبنان وفلسطين تحديداً ويصرون على نعتها بالإرهاب، ويكرّرون كل حين ذات الأسطوانة القديمة المشروخة، هكذا كرّرهؤلاء ومن شابَههم من مُثقّفى السلطة والدولار وربما «الشيكل»، أقاويلهم ولا يزالون، وابتداء نودّ التأكيد أن هكذا مُثقّفين لا يجوز عقلاً وواقعاً أن نطلق عليهم لفظ «مُثقّف»، لأن الأخير لا بدّ وأن يكون مقاوِماً ورافِضاً للظلم وللتبعية والفساد ، وإلا لما استحق أن تُطلَق عليه صفة المُثقّف، ولعلّ فى المقولة الخالِدة الموحية للشهيد الدكتور فتحى الشقاقى «إن المُثقّف هو أول مَن يقاوِم.. وآخر مَن ينكسِر»، هذا هو المُثقف إذا أردنا أن نفهم ما يجرى حولنا وما يقوله البعض ضد المقاومة العربية ويؤيدون الإرهاب الداعشى باسم أنه ثورة.. ولقد ثبت يقينا ـ خلال الفترة من 2011/2025 ـ أنه غير ذلك تماماً والشواهد عديدة فى تاريخ حكم الإخوان لمصر سنة 2012 وتاريخ الارهابيين الدواعش فى سوريا والعراق.
>>>
> وإذا ما انتقلنا إلى تعريف صحيح للفارِق بين المقاومة والإرهاب وفى هذه الأجواء المُلتبسة، والتى يُثار فيها مُجدّداً موضوع « الإرهاب» وتتناقله الأفواه والأقلام، كلٌ يحاول أن يُدلى بدلوه تعريفاً أو تنظيراً، ولعلّنا نتذكّر فى هذا السياق ذات يوم فى الألفية الأولى عندما جاء جورج بوش الابن ليصبّ الزيت على النار عندما قال قولته النازية الشهيرة موجّهاً تحذيره لقادة العالم أجمع «إما أن تكونوا معنا أو تكونوا مع الإرهاب»، ساعتها صار لفظ الإرهاب مَبعَث رهبة وفزع لعروشٍ وكراسى حُكم، كما لأقلام وعقول كانت دائماً ولا تزال تتماهى مع الأمريكي!
>>>
فى هذا المناخ شديد الاختناق ، صار من المطلوب، أن تتداعى النخبة المُلتزمة وطنياً وإسلامياً، لكى تضع هى بنفسها تعريفها المُحدَّد لكلمة «الإرهاب» والتفرقة بينه وبين «المقاومة» المشروعة عن الحقوق المغتصبة!
وفى هذا الإطار نودّ أن نقول: نحن بداية نعرّف الإرهاب بأنه ذلك « الفعل الهمجى غير المُنظّم الذى يستهدف تحقيق مصالح سياسية عبر استهداف مدنيين عزّل، وأنه يندرج من حيث مُستخدميه من إرهابٍ فردى إلى إرهاب جماعة أو فئة أو حتى طبقة، إلى إرهاب دولة بكاملها وأن توسّله لتحقيق أهدافه دائماً يكون عبر أساليب غير كريمة تقوم على التفزيع والغدر والعنف الأعمي، وهو يؤدّى إلى حلقاتٍ متتاليةٍ من إرهابٍ مُضادٍ يستتبعه إرهاب جديد وهكذا وهو عين ما حدث فى مصر من جماعة الاخوان الارهابية ومثلما حدث من الدواعش فى بلاد أخري!
> أما المقاومة ، فهى مشروع استنهاض ومواجهة للظلم بجميع أشكاله وللاستبداد بجميع أنواعه الفردية أو الطائفية أو الحكومية، والمقاومة عادة تتوسّل الأساليب النضالية الكريمة لتحقيق أهدافها، وهى حين تنطلق تبنى لها خطاباً شاملاً وإنسانياً، غير مُتصادِم مع حقائق التاريخ والواقع. المقاومة فعل مُلزِم حين تُحتَل الأرض أو تتعرّض الكرامة الإنسانية للإذلال أو تُغتَصب الحقوق وتُهان المُقدّسات.
>>>
السؤال اليوم للنخبة التى تتصدّى بالفكر وبالكلمة لخيار المقاومة هل تستطيع هذه الطليعة المُثقّفة التى يتقاطع ضمير ثقافتها مع قضايا الأمّة السياسية والحضارية؛ أن تقود مشروعاً جديداً للمقاومة السياسية والثقافية الواسعة يتجاوزالخلافات، ويتمسّك بالثوابت ويستفيد من الدروس وأن يفرقوا بوضوح وحسم لا لبس فيه بين «المقاومة» و»الإرهاب» الذى يتغطى زيفا بالثورة أو بالدين كما يفعل الدواعش الجدد؟ هل آن للمثقف العربى أن يتمثل وبصدق مقولة فتحى الشقاقى الخالدة التى صدرنا بها هذا المقال «بأن المُثقَف أول مَن يقاوِم وآخر مَن ينكسِر» وبأن يفرق تماما بين هذا الإرهاب الداعشى الاعمى وبين المقاومة المبصرة فى فلسطين المحتلة !أسئلة برسم المستقبل.