بعد مرور 52 عاماً على نصر أكتوبر المجيد، لا يمكن الحديث عن هذا الإنجاز التاريخى دون أن نسلط الضوء على الدور المحورى الذى لعبه العلماء المصريون، الذين استخدموا العلم والتكنولوجيا كركيزة أساسية لتحقيق التفوق العلمى فى ميادين القتال. فقد أثبتت حرب أكتوبر أن النصر لا يُنتزع بالقوة العسكرية وحدها، بل يحتاج إلى تخطيط علمى دقيق، وإلى عقول قادرة على الابتكار وصنع الفارق.
منذ ما قبل اندلاع الحرب، حرصت القيادة المصرية على الاستعانة بخبرات المتخصصين فى مجالات حيوية مثل «الهندسة، والاتصالات، والجغرافيا، والفيزياء»، فقد لعب المهندسون والعلماء المصريون دوراً بارزاً فى تطوير وتعديل الأسلحة والمعدات لتناسب ظروف القتال وقتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ساهموا فى تعديل صواريخ «سام» لتتناسب مع بيئتنا المختلفة، وابتكروا طرقاً لإعادة توظيف المعدات العسكرية القديمة بكفاءة أعلى، وتطوير بعض المعدات المستوردة لتعمل محلياً بكفاءة فى البيئة الصحراوية، وفى مجال الاتصالات والإلكترونيات، كان للعلماء دور بالغ فى تنفيذ عمليات التشويش على اتصالات العدو، وإخفاء التحركات العسكرية المصرية، وقد نجحت مصر بفضل خطط خداع محكمة، اعتمدت على أحدث ما توفر من تقنيات فى الاتصالات والمعلومات، فى تضليل أجهزة المخابرات الإسرائيلية، مما ساهم فى تحقيق عنصر المفاجأة الإستراتيجى.
وتجلى دورهم فى «الضربة العبقرية» التى تمثلت فى تطوير خراطيم مياه عالية الضغط لفتح ثغرات فى الساتر الترابى الضخم المعروف بـ «خط بارليف»، بعد تعطيل «مواسير النابالم» التى كانت تهدد بإشعال مياه القناة بأكملها، كانت فكرة بسيطة فى ظاهرها، لكنها عبقرية فى مضمونها، حيث مكنت القوات المصرية من عبور القناة فى ساعات معدودة، وكسرت أقاويل كثيرة خرافية مثل «الخط الذى لا يقهر» و«السد المنيع».. وغيرها.
ولم يكن الإبداع العلمى مقتصراً على ميدان المعركة فحسب، بل امتد إلى المجال الطبى. وكافة المجالات، فقد قام الأطباء بتطوير أساليب الإسعاف الميدانى، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية بسرعة وكفاءة إلى الجنود فى قلب المعركة، من خلال المستشفيات الميدانية التى أنقذت حياة آلاف الجنود، وساهمت فى تقليل الخسائر البشرية إلى الحد الأدنى، فيما شارك الجغرافيون فى إعداد خرائط طبوغرافية دقيقة للمنطقة، أعتمد عليها بشكل أساسى فى التخطيط للهجوم، كما درس علماء النفس والاجتماع الحالة المعنوية للجنود، وشاركوا ببعض التوصيات التى تحسن الروح القتالية والانضباط، مما عزز من قدرة القوات على الصمود تحت الضغط.
لا شك أن حرب أكتوبر أكدت فى النهاية، ان العلم هو السلاح الأقوى، وأن النصر لا يأتى بالأسلحة فقط، بل تصنعه العقول القادرة على التفكير، والتخطيط، والابتكار، فقد كان فى الميدان خلف كل جندى يقاتل، جيش من العلماء والأطباء يعملون فى صمت لكن بإبداع، ليصنعوا الفارق بالعقل قبل القوة.