الخطة الأمريكية الأخيرة حول غزة المعروفة بـ «مشروع ترامب» خلقت نوعاً من الجدل.
أولاً: تقدم الخطة الأمريكية مجموعة نقاط مرحلية تضمنت مطالب بإطلاق أسرى، واشتراطات لتفكيك قدرة حماس العسكرية، وانتقال إدارة شئون غزة نحو هيئة مؤقتة تحت إشراف دولي وإقليمى، مع وعود بالمساعدات وإعادة الإعمار، وضمانات أمنية لإسرائيل واستبعاد أى ضم جديد للضفة الغربية ضمن نطاق أقوال رسمية، قراءة هذه البنود تكشف أنها محاولة لخلق حل تدريجى يربط المصالحة الأمنية بملف الإعمار والعودة المحدودة للسلطة الفلسطينية إلى المشهد.
ثانياً: من زاوية إنسانية، قد تمثل الخطة مخرجاً عملياً وقف إطلاق نار، وصول مساعدات، فضّ أسر، وإشراف دولى على إعادة الإعمار، وهى أمور ينشُدها أيّ مكلوم داخل القطاع، وهو ما وصفه البعض طوق نجاة مشروط.
ثالثاً: ما يلوح فى الأفق أن تلك الخطة تقود إلى فصل غزة عن فلسطين، وهنا يكمن الشكّ الجدى فإدارة غزة بمعزلٍ عن سياسة واضحة لربطها مع الضفة الشرقية وتحرير القدس كبوابة الدولة، تعنى إبقاء غزة ككيان منفصل إدارياً واقتصادياً عن الضفة، ما يكرّس واقعاً عملياً لغياب مشروع دولة فلسطينية موحّدة.
رابعاً: علاقة الخطة بجائزة نوبل للسلام .. فى السجلّ الدبلوماسى الحديث، صارت أى نجاحات ظاهرة فى تحقيق اتفاقيات تطبيع تثير فوراً الحديث عن مكافآت رمزية مثل ترشيحات لجائزة نوبل، وخرج بعض مؤيّديها ليقولوا إن إنجاحها، خاصة إذا أدت إلى وقف الحرب وإعادة إعمار موسعة، قد يجعل من الرمز الأمريكى مرشحاً لنيل الإشادة الدولية.. لكن هذا كلام سياسى لا يغيّر معالم الواقع، لأن لجنة نوبل تختار وفق معاييرها الخاصة، والإنجازات الملموسة الطويلة الأمد فى السلام الشامل تبقى معيارها الأصعب، بالتالى الحديث عن «نوبل» هنا أقرب إلى سِردٍ سياسى يستخدمه داعمو الخطة لتسويقها داخلياً ودولياً بدل أن يكون مؤشراً موضوعياً على عدالة الحل، وإن غدا ليس ببعيد.
الخلاصة، الخطة قد تكون طوق نجاة إن قُيّدت بإطار واضح لاستعادة الوحدة الوطنية، وبآليات ملموسة لإعادة غزة إلى حضن المشروع الفلسطينى الموحد، لكنها قد تتحول إلى أداة لفصل فعلى إن عُوملت كحل إدارى تقنى بمعزل عن حل سياسى يُنهى الاحتلال ويؤسس لدولة فلسطينية متصلة جغرافياً وسيادياً.. التــاريخ يعلمنا أن الحلول الجزئيــة قد تطيــل الأزمــة بدلاً من حلّهــا، لذلك إن تحولت الخطة إلى مشروع إنسانى ودبلوماسى يضع على رأس أولوياته حقوق الفلسطينيين فى دولة واحدة وعاصمة فى القدس، فإنه يمكن أن يُحســب لها.. أما إن خضعت للمصالح الإقليمية الضيقة والرهانات الانتخابية، فستكون صفحة أخرى فى سجل تفكك المشروع الوطنى الفلسطينى.









