ما أشبه الليلة بالبارحة.. فإنه وبعد مضى 52 عاماً على أكتوبر المجيد 1973.. وتحقيق مصر جيشاً وشعباً لمعجزة العبور وتحقيق أعظم الانتصارات العربية فى العصر الحديث.. فإن مصر الكنانة تحاصرها الآن- وبشكل غير مسبوق- العواصف والأنواء.. تحيطها فى كل الاتجاهات الاستراتيجية أحزمة من النيران.. تتصدى بكل ما تملك دفاعاً عن القضية الفلسطينية والأمن القومى المصرى والعربى قوامها الشرف والنبل والأمانة والاستقامة.. وكما انتصرت مصر ولم تنكسر فى 1973 فإنها- أبداً- لم ولن تنكسر مهما كانت التحديات والضغوط فإن شعب مصر يؤمن بالله الواحد القهار.. يؤمن بقدرته واصطفافه «جيشاً وشعباً» فى خندق واحد وراء القائد.. ورباط لا ينفصم أبداً قوامه جنودهم خير أجناد الأرض وظهير شعبى عظيم قوى ومتين لا يعرف للعطاء والفداء حدوداً.. يمتلئون جيشاً وشعباً بروح فريدة أودعها فيهم الله عز وجل كانت ولا تزال وسوف تظل «الوقود النووى» الذى يقهر كل التحديات ويدمر كل النظريات وقد نجح فى تحقيق النصر مرة.. وهو بهذه الروح سوف يحققها مرات ومرات.
هذه الروح التى تجسدت فوق أرض سيناء وعلى كل شبر من أرض مصر معارك وبطولات.. هى ذاتها الروح التى ملأت وجدان المصريين طوال 12 عاماً مضت تنمية وبناء وقهر للإرهاب وزبانيته ومموليه وأخوانه المجرمين.. وهى ذاتها الروح التى تشعل حماسة المصريين شعباً وقيادة وجيشاً هذه الأيام فى مواجهة أعتى التحديات وأقوى الأعاصير والضغوط وهى ذاتها الروح التى يمسك بها الشعب المصرى وهو يحلق فى سماوات الغد الأفضل متمسكاً بالأمل والعمل.
<< إنها روح أكتوبر التى قهرت كل الأرقام والاحصائيات والخصائص والمقومات وحتى الثوابت.
لم تعترف روح أكتـوبر بما يسـمى تـوازن القـوى بين مصــر وأعدائها.. لم ترهبها الفوارق بين أعداد الطائرات بين مصر وإسرائيل.. وخواصها وعناصر تفوقها.. وهى الروح التى جعلت الرئيس العظيم الراحل بطل الحرب والسلام الرئيس أنور السـادات يصر على دخول الحرب ومفاجأة العدو وقد تلقى من قائد القوات الجوية آنذاك الفريق حسنى مبارك ما يؤكد الفارق الكمى والكيفى.. فكان قراره منحازا لروح الجندى المصرى وتقدير شجاعته كعنصر حاسم يقهر أى فروق كمية أو كيفية.. وجاءت الضربة الجوية الأولى لطيران مصر بنجاح يفوق تحقيق أكثر من 95 من أهدافه.
إنها روح أكتوبر التى لم تتراجع أمام أقوى الخطوط الدفاعية التى عرفها العالم الحديث.. وهى خط بارليف المنيع.. ولا تقوى على قهره وتدميره أقوى القنابل الذرية وهو القادر على تحويل قناة السويس إلى ساحة من جحيم مشتعل بالنابالم وكتل النيران.. ولا تأبه لذلك روح أكتوبر ويقوم الجندى المصرى بتحويل نفس مياه القناة إلى قنابل أشد فتكاً.. ويتهاوى خط بارليف وحصونه أمام خراطيم مياه المصريين.. وتسقط كل حصون ودفاعات العدو وقلاعه الفولاذية.
لم تعترف روح أكتوبر بما ملأت به الدعاية الصهيونية أرجاء العالم وجيوشه ومراكز أبحاثه بأن إسرائيل تملك الجيش الذى لا يقهر.. فكانت حرب أكتوبر سحراً يحول الجندى المصرى عبدالعاطى إلى صياد ماهر لعشرات الدبابات الإسرائيلية الحديثة والقديمة.. ويقوم الجنود المصريون بأسر كبار الضباط الميدانيين الإسرائيليين.
هى روح أكتوبر التى لم تتقهقر إلى غرب القناة تحت وطأة الحرب والنيران الكثيفة.. وأصرت على التمسك بمواقفها شرق القناة رغم الجسر الجوى الأمريكى الذى جاء إلى ساحة المعركة مباشرة بأحدث ما أنتجته ترسانة الحرب الأمريكية إنقاذا لإسرائيل وكانت عدادات تشغيلها خير دليل على أنها من المصنع إلى إسرائيل رأساً.. واستمرت مصر تقاتل ببسالة وشرف حتى وقف إطلاق النار.
إنها روح أكتوبر التى صنعت مئات بل الآلاف من أعظم قصص البطولات حققها جنود مصريون بسطاء فى معارك امتزج فيها الدم المصرى «مسلميه ومسيحيه» و«صعيدى وبحرى» و«مطروحى وسيناوى» طبعتهم روح أكتوبر بسمات التضحية والبسالة والفداء فكانت أرواحهم الطاهرة وقصص فدائهم نبراساً للأجيال.
إنها روح أكتوبر التى نزعت عن «اللصوص» رداء السرقة وأحالتهم رجالاً صالحين يعملون فى خدمة الوطن.. وخلت سجلات الشرطة من أى بلاغات خلال فترة الحرب.
إنها روح أكتوبر التى صهرت الشعب المصرى والجيش المصرى فى خندق الوطن.. وكانت قوة الجبهة الداخلية وتماسكها كالبنيان المرصوص يمثل العقبة الكئور والصخرة الفولاذية التى تكسرت على صلابتها كل الشائعات والدعايات السوداء الضالة والمضلة.
إنها هى روح أكتوبر التى صنعت ثورة الثلاثين من يونيو عام 1913 وخلصت مصر من حكم سوفيتى عنصرى إقصائى وتحكم قبلى عشائرى يقوده من خلف ستار مكتب إرشاد الإخوان المجرمين لطمس هوية الوطن.. وأخونة مفاصل الأمة.
إنها الروح التى مثلت أنقى الوقود وأقواه وطوال 12 عاماً من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى لصناعة واقع مصرى جديد يستجيب لتحديات العصر وما تتسم به مصر من كثافة سكانية.. لتنطلق عبر آلاف المشروعات العملاقة تنشر الخير والتنمية والنماء فوق كل شبر من أرض مصر.. تلبية لاحتياجات الحاضر.. وبناء للمستقبل الأفضل.
إنها الروح التى جعلت المصريين يكشفون طواعية عن أغطية ما كانوا يدخرونه «تحت البلاطة» ويضعوا ما يزيد على 68 ملياراً من الجنيهات تحت أمر القائد والزعيم.. لتنجح مصر قيادة وشعباً فى شق قناة السويس الجديدة فى معجزة مصرية هزت العالم بأسره.
إنها الروح التى أعادت للحياة من العدم ومن الأدراج مشروع التأمين الصحى الشامل فانطلق منهياً المرحلة الأولى.. وها هو الآن فى مرحلته الثانية..يوفر علاجاً بمواصفات عالمية يتشارك فيه بلا أدنى فرق المواطن الغنى والمواطن الفقير.. وهى ذاتها الروح التى هزمت فيروس «سى» بعد أن اغتال آلاف المصريين وكانت تجربة مصر نموذجاً أممياً فريداً.. وإنجازاً ملهماً لكل دولة العالم.
إنها روح أكتوبر.. الروح الوثابة التى تجعل مصر تحلق عالياً فى سماوات المستقبل الأفضل.. بالعلوم والتكنولوجيا وتحويل مصر إلى مركز دولى ومركز إقليمى لكل ما يحتاجه مستقبل البشرية من صناعات وخدمات ولوجستيات والاستفادة بالخبرات الإنسانية من شتى أنحاء العالم.. وهذا موضوع المقال القادم بإذن الله.. روح أكتوبر ومستقبل مصر.