كانت حقبة السبعينيات من القرن الماضى حقبة مصرية خالصة، ووصفت الصحف الدولية نصر أكتوبر 1973 بأنه معجزة عسكرية بكل المقاييس، بينما تنفست دول العالم الصعداء بعودة الملاحة لقناة السويس عام 1975، كما جاء توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 فى مصلحة السلم والأمن الدوليين واعتبار مصر نموذجًا للدول الراغبة فى تحقيق السلام، وقد تجسدت تأثيرات هذه الحقبة بشقيها «العسكرى والسياسى» فى الوجدان المصرى وامتدت نتائجها عقوداً طويلة فى ظل روعة الانتصار وعبقرية عبور القناة وتحطيم خط بارليف المنيع، إلى جانب تمسك مصر بدورها القومى فى دعم ومساندة القضية الفلسطينية ورفض أى سلوك عدوانى إسرائيلى يستهدف دولاً عربية شقيقة، والأهم من ذلك إدراك مصر «مبكرًا» أن السلام يحتاج قوة تحميه وامتلاك جيش وطنى قادر على حماية حدود الدولة ومكتسباتها.
>>>
هذه الحقائق تفسر إلى حد بعيد لماذا تزداد بهجة الاحتفاء بذكرى حرب أكتوبر 1973 سنويًا رغم مرور 52 عامًا على النصر المجيد، ولماذا تلتهب المشاعر عندما يتحدث البعض عما تحقق من بطولات فى حقبة السبعينيات وما أفرزته هذه الحقبة من قدرات هائلة فى إدارة العمليات وتحقيق الانتصارات إلى جانب خوض المفاوضات للوصول للسلام، ولعل هذه المشاعر تفسر أيضًا تكرار هذا السؤال: «لماذا نجحت مصر وفشل الآخرون فى ظل ما سمى بثورات «الربيع العربى» وما خلفته من تداعيات خطيرة فى المنطقة ؟»، والإجابة باختصار شديد : هى روح أكتوبر التى تجلت لمواجهة أحداث 25 يناير 2011 وما أسفرت عنه من وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم وتعرض البلد للفوضى والانهيار، وهى نفس الروح التى أنقذت البلاد باشعال ثورة 30 يونيو 2013 وتغييب الجماعة عن المشهد نهائيًا، والبدء فى تنفيذ أكبر مشروع تنموى نجنى ثماره الآن.
>>>
هنا نتوقف عند ملاحظة أخرى أكثر أهمية وهى أنه بقدر ما كان لاشتعال ثورة 30 يونيو دور مهم فى انقاذ الدولة المصرية، كان للثورة دور مثير فى افشال المخطط الصهيونى بتقسيم دول المنطقة، غير أن المؤلم حقا أن ما سمى بـ «الربيع العربى» ترك آثاره المأوساوية فى بعض الدول التى انهارت جيوشها وخربتها الحروب الأهلية، واستغلال العدو الإسرائيلى لهذه الأوضاع المستجدة فى تكرار محاولات التقسيم بالاعتداء المستمر على سوريا ولبنان وأحيانا اليمن والعراق ثم شن حرب الإبادة الظالمة ضد قطاع غزة الفلسطينى واصرار تل أبيب على تهجير سكان القطاع وتصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، لتتفاجأ شعوب المنطقة بأنها أمام مخطط صهيونى جديد بسيناريو مختلف يستهدف تفتيت الدول العربية، بينما تقف مصر «حاسمة وحازمة» لإفشال هذا المخطط بكل الوسائل السلمية والتفاوضية.
>>>
لقد أكدت حرب الإبادة الإسرائيلية فى قطاع غزة حتمية الاستعانة بروح أكتوبر وأن تكون مصر قوية وقادرة فى الحرب والسلام، وأن يكون صوت القاهرة الرافض للاحتلال وللقتل والتهجير أعلى من أصوات الطائرات والمدافع والدبابات الإسرائيلية وأقوى من كل الضغوط الدولية وهو ما قد كان، فقد رفضت مصر الاغراءات السياسية والاقتصادية التى تجعلها تغير من موقفها أو أن توافق على السماح بتهجير الفلسطينيين من القطاع، وهو الأمر الذى ساهم بدوره فى تمسك أهل القطاع بأرضهم ومنع إسرائيل من تصفية القضية الفلسطينية، ثم ساهم أخيرًا فى خلق موقف دولى متضامن مع غزة وفلسطين أدى بدوره لإطلاق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مبادرته لوقف الحرب واشادته بالجهود المصرية طوال أزمة غزة ثم فى قبول حماس للمبادرة، لتؤكد هذه التطورات أن مصر المتمسكة بالتفاوض والسلام أفضل للمنطقة والعالم من كل النعرات والأوهام الصهيونية.
>>>
فى كلمته بمناسبة الذكرى الـ»52» لنصر أكتوبر 1973، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى: لقد علمتنا ملحمة أكتوبر.. أن النصر لا يمنح، بل ينتزع.. وأن التخطيط المحكم، والعمل المخلص الدءوب، والتنسيق بين مؤسسات الدولة، وتماسك الجبهة الداخلية، واليقين بنصر الله.. هى مفاتيح النصر والمجد، وإننا فى هذه الذكرى العطرة، نتوجه بتحية خالصة، إلى روح القائد العظيم الرئيس الراحل «محمد أنور السادات».. بطل الحرب والسلام.. صاحب القرار الجرىء، والرؤية الثاقبة.. الذى قاد الأمة بحكمة وشجاعة، نحو النصر والسلام.
الرئيس السيسى قال أيضًا: إن التجربة المصرية فى السلام مع إسرائيل أثبتت أن الإنصــاف هو الســبيل الوحيد للسلام الدائــم وأنها نمــوذج تاريخى يحتذى به فى صناعة السلام الحقيقــى ومن هذا المنطــلق، نؤمــن إيمانًا راســخًا بأن السلام الحقيقـى فى الشـرق الأوسط لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية وبما يعيد الحقوق إلى أصحابها، مؤكدًا أن السلام الذى يفرض بالقوة، لا يولد إلا احتقانًا، أما السلام الذى يبنى على العدل، فهو الذى يثمر تطبيعًا حقيقيا، وتعايشًا مستدامًا بين الشعوب.
>>>
فى الأخير، فقد بدا واضحًا فى كلمة الرئيس السيسى «أن مصر الواثقة من نفسها تعرف ما تريد وتعرف كذلك كيف يتحقق»، وهى رسالة مهمة وصلت الجميع.