يظل نصر السادس من أكتوبر المجيد الذى حققه الجيش المصرى على العدو الإسرائيلى فى معركة الأرض والكرامة شاهد عيان على بطولات وأمجاد الجندى المصرى الذى ضرب المثل والقدوة امام العالم عندما تمكن من عبور أكبر مانع مائى فى العالم وتحطيم أسطورة خط بارليف، واعاد الاعتبار للوطن والامة العربية كلها، ونحن نحاول من خلال تلك السطور أن نقدم نماذج من هذه البطولات لنعيش لحظات النصر واستعادة الأرض.
والحديث عن نصر أكتوبر مازال الكثير منه لم يكشف عنه، ومازالت وسائل الإعلام لم تتح الفرصة لكل من ضحوا بدمائهم فداء لهذا الوطن من أجل استعادة كرامته .
«الجمهورية» حواراتها مع الابطال الذين شاركوا فى معركة العبور لنتعرف على اسرار جديدة وذكريات فى ساحات القتال عبرت عن روعة قياداتنا الباسلة وجنودنا المخلصين فى قصص بطولية أعطت دروسا للاعداء فى العزيمة والاصرار والتضحية وحب الوطن.
العقيد حلمى زكى :
كنت جزءًا من خطة خداع أكتوبر بعد اختيارى للعُمرة

يقول العقيد حلمى زكى أحد أبطال حرب أكتوبر إنه تخرج فى الكلية الحربية عام 1969 ثم شارك فى حرب الاستنزاف ضمن قوات الصاعقة فى منطقة رأس العش، وفى سيناء بأكثر من موقع وأثناء حرب أكتوبر كنت بمنطقة الدفرسوار، التى تفصل بين الجيش الثانى والثالث، وكانت منطقة مهمة لدرجة أن الرئيس الراحل أنور السادات وقيادات القوات المسلحة فى حرب أكتوبر كانوا يزورون المنطقة لأهميتها، وأنه كان ضمن لواء العظماء وهو اللواء 16 الذى كان يضم وقت حرب أكتوبر 1973 المشير محمد حسين طنطاوى واللواء صالح عبدالعاطى واللواء محمد على بلال واللواء محمد عزت السيد واللواء أبوبكر أحمد صالح، واللواء عبدالحميد عبدالسميع واللواء محمد أبوالغيط، وهم جميعا من أعظم رجال القوات المسلحة، وفى أبريل 1973 قبل حرب أكتوبر كنت ضمن وحدات من الصاعقة رغم أننى كنت من ضباط المشاة لكن أثناء الإعداد لحرب أكتوبر تم ضمنا لقوات الصاعقة وكان فخرا وسعادة لى ولضباط المشاة.
مشروع حرب
وأضاف انه خلال شهور الصيف تدربت على أكبر مشروع حرب للإعداد لنصر أكتوبر 73 بداية من أبريل حتى شهر أغسطس، من خلال سيناريو تم إعداده لما سوف يحدث فى حرب أكتوبر من عبور القناة ثم صعود الساتر الترابى الذى يشبه خط بارليف والمشروع كان على مستوى اللواء، يشرف عليه الفريق عبد النبى حافظ، وقيادات أخرى منهم العميد عبدالحميد عبدالسميع واللواء حسن الأخرس واللواء صلاح حلبي، وغيرهم كل ذلك فى الفرقة 16 واللواء 16 الذى أطلق عليه لواء العظماء.
مهمة خطرة
وأشار الى ان كل من شاركوا فى حرب أكتوبر أبطال عظام خاصة الذين ضحوا بأرواحهم فداء للوطن ومن أجل عودة العزة والكرامة والنصر، وهو ما كنا جميعا فى القوات المسلحة نحلم به ونسعى لتحقيقه، أسند إلى نقل ذخيرة لوحدة بالكامل قوامها 800 فرد، ضمن خمس سيارات وهى مهمة خطرة، لكننى نفذتها مع ضابط زميل وكنت أقود سيارة جيب تحمل 6 دانات، وتحملت المسئولية باعتبارى قائد المجموعة وهذا ما تعلمناه فى الجيش المصرى وهو تحمل المسئولية وتقديم النفس فداء للوطن.
جبل الطور
وأضاف أنه بعد نصر أكتوبر المجيد بدأت المفاوضات لاستعادة سيناء، وعقب اتفاقية كامب ديفيد 1978 تم الاتفاق مع الجانب الإسرائيلى على استعادة سيناء، وكنت سعيدا جدا لاختيارى ضمن مجموعة 15 وهو شرف وتكريم لنا جميعا لما قدمناه من دور مهم وبطولى فى حرب أكتوبر، وهى عادة القوات المسلحة فى رد الجميل لأبنائها، وكل أفراد المجموعة التى تكونت من 15 عضوا لاستلام نقطة جبل الطور من إسرائيل، وجلسنا فى الخارجية لمعرفة بروتوكول التعامل مع إسرائيل فى أول حوار سلمى لاسترداد سيناء والمجموعة كانت مكونة من لواء وعميد وعقيد ومقدم ورائد وملازم أول وملازم ورقيب وثلاثة جنود وآخرين للتفاوض على استرداد جبل الطور.
تنكيس العلم الإسرائيلي
وأكد أنه لا ينسى ابد عندما بدأت مراسم تنكيس العلم الإسرائيلى من على نقطة جبل الطور ورفع العلم المصرى خفاقا عاليا، وكانت تقف بجوارى فتاة إسرائيلية وفجأة بكت بدموع غزيرة واندهشت، ولم أصدق دموع التماسيح وكيف تبكى معتدية غاصبة لأرضنا وجاءت لحظة الفخر والسعادة عندما ارتفع العلم المصرى وقتها تساقطت دموعنا من الفرحة والعزة والكرامة، وأن أرواح ودماء الشهداء لم تذهب سدى ومن حق الشهيد أن ينام ويسعد.
المفاهيم العسكرية
وأشار العقيد حلمى زكى أن نصر أكتوبر أعاد تصحيح المفاهيم العسكرية وأنهى أسطورة إسرائيل الوهمية بأن جيشها لا يقهر، وشل الطيران المصرى ذراع إسرائيل وحطم غطرسة سلاحها الجوي، وشهدت أكتوبر بطولات عظيمة للجيش المصرى خاصة المقاتل المصرى لأن الفروق كلها كانت فى صالح إسرائيل فى التسليح وغيره، لكن حرب أكتوبر أعادت شرف ومجد وقدرة الجيش المصري، وأن هزيمة هذا الجيش أو حربه مرة أخرى أمر صعب جدًا على إسرائيل، وبدأ ذكاء المفاوض المصرى حتى عادت كل سيناء فى 19 مارس 1989 بعد حسم مصر قضية التحكيم الخاصة بطابا.
اللواء حسين مسعود :
إعادة بناء المقاتل المصرى السلاح الأهم والأبرز فى معركة الكرامة

أكد اللواء مهندس حسين مسعود وزير الطيران الأسبق ان القوات المسلحة لم تختبر فى نكسة 67 وبعدها على الفور بدأنا اعداد بناء القوات المسلحة وجلب أسلحة حديثة والتدريب عليها ليلا ونهارا، ثم بدأنا الاختبار العملى فى حرب الاستنزاف والتى اثقلت خبرتنا فى التعامل مع العدو مباشرة وجها لوجه فى مواقع تكتكية، وكانت الطائرات الهليكوبتر تستخدم فى الاعياد والمناسبات والتشريفات قبل 67، ولكن فى حرب أكتوبر استخدمنا ميج 8 الروسية لنقل القوات فى عمليات ابرار خلف خطوط العدو .
(إسقاط المظليين)
أوضح أنه أثناء حرب أكتوبر كان برتبة نقيب مهندس وقائد سرب الهليوكوبتر بالكتيبة 143 صاعقة، لافتا إلى أن الحروب تبدأ بتحركات القوات الثقيلة ودور الصاعقة يأتى خلف خطوط العدو، وكان دوره إسقاط المظليين، وإنزال قوات الصاعقة خلف خطوط العدو لمسافة40 كيلو، لعمل كمائن على طول الجبهة فى القطاع الجنوبى لإيقاف تدفق القوات المدرعة الاسرائيلية من الخلف للامام، مشيرًا إلى أن حرب أكتوبر شهدت ولأول مرة مقابلة الفرد للدبابة، مؤكدا أن طائرته أصيبت من الخلف، واضطر إلى الهبوط وفور هبوطها قام بتفجيرها حتى لا يستولى عليها العدو.
(ملحمة كبيرة)
وأشار الى انه كان قائد السرب المكون من 18 طائرة وكنا نطير على ارتفاع منخفض 10 متر حتى لا تكشفنا الرادارات، وتم عمل الكمائن بكفائة عالية جدا وتم تدمير 7 دبابات ثم تراجع العدو وانسحب ومكثنا فى المنطقة فترة حتى يوم 19 أكتوبر عندما جاءت التعليمات لنا بالرجوع قبل وقف اطلاق النار يوم 21 أكتوبر، وتدرجت فى القوات المسلحة حتى وصلت الى وزير الطيران المدنى فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى بعد ثورة 25 يناير ليبدأ تحد آخر وهو اخلاء 90 ألف مصرى من ليبيا وهو عدد ضخم جدا وكانت ملحمة كبيرة وطبقنا ما تعلمنا فى القوات الجوية ولم تحدث أى خسائر.
(الجبهة الداخلية)
ويرى اللواء مهندس حسين مسعود ان ابرز الدروس المستفادة من حرب أكتوبر هى ضرورة تعدد مصادر التسليح وجاهزية القوات المسلحة فى السلم قبل الحرب، وتماسك الجبهة الداخلية، لان حرب 73 كان واضحاً اين العدو بخلاف الآن مؤامرات من جميع الدول ولا نعلم اين العدو، بالاضافة الى وجود تحديات خارجية، والتحدى الاكبر هو بناء الانسان المصرى وهو اهم عامل ودرس نستفيده من حرب 73.
لواء طيار هشام الحلبى:
حسمنا المعركة من أول طلعة جوية بدون خسائر

يقول اللواء طيار هشام الحلبي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ان القوات الجوية ساهمت بشكل كبير فى نجاح حرب أكتوبر المجيدة وكان لها دور فعال فى التمهيد لعبور القوات بعد ان مهدت الطريق بقصفها للقواعد والمطارات وتدميرها لخطوط الإمداد الرئيسية التى كان يستخدمها الجيش الاسرائيلي.
(إرادة شعب)
اشار الى ان ملحمة حرب أكتوبر هى انتصار إرادة شعب لم يقبل بهزيمة 67، وعلى الفور بدأت مرحلة بناء القوات المسلحة بسواعد أبنائها الشرفاء والتى استغرقت 6 سنوات فى ظل صعوبات سياسية واقتصادية كبيرة وهو اعجاز لم يحدث من قبل، وكان أمامنا جهود مضنية لإنشاء مطارات جديدة وممرات ودشم وتدريب الطيارين والفنيين وبرغم فارق التفوق العددى والنوعى بين الجانبين إلا أن طيارينا ضربوا أروع الأمثلة فى البطولة والجسارة، وكانت المعركة التى دارت فوق قاعدة المنصورة الجوية هى من أكبر وأطول المعارك الجوية فى التاريخ الحديث حيث شاركت فيها 180 طائرة من الجانبين واستمرت 53 دقيقة وكانت نتيجة المعركة هى إسقاط 4 طائرات مصرية مقابل إسقاط 17 طائرة إسرائيلية وهى نتيجة رائعة بكل المقاييس العسكرية، ودخلنا حرب اكتوبر بتخطيط إستراتيجى محترف مازال يتم تدريسه فى الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا حتى الآن.
(نصر عظيم)
اضاف ان حرب أكتوبر أثبتت أن الجنود المصريين هم خير أجناد الأرض فقد حاربنا بأسلحة طيران الجيل الثاني، ورغم ذلك انتصرنا على الإسرائيليين الذين كان لديهم اسلحة طيران الجيل الثالث الاحدث، وكانت صيحة الله أكبر وعزيمة المصريين أقوى من كل أسلحة العدو، واستطاع الجيش المصرى تحقيق نصر عظيم.
(الحرب والسلام)
أكد أن القوات المسلحة كانت على استعدد لتكملة المعركة حتى النهاية لولا تدخل امريكا وانحيازها لإسرائيل ودعمها بجسر إستراتيجى بحرى جوى لإمدادها بأسلحة حديثة لتعويض خسائرها، لذلك قبل الرئيس الراحل انور السادات قرار وقف اطلاق النار والجلوس الى مائدة المفاوضات من مركز قوة حتى استطاع الحصول على سيناء كاملة.
(دروس مستفادة)
يرى حلبى ان حرب أكتوبر هى حرب عسكرية تقليدية وتختلف عما يواجه الجيش المصرى فى سيناء من جماعات غير نظامية تتلقى دعم لوجستى من الخارج، مشيرا الى ان العملية الشاملة فى سيناء حققت نجاحات باهرة واستطاعات القضاء على البؤر الارهابية والسيطرة على الحدود المصرية من كافة الاتجاهات، واطالب الاعلام بنشر الوعى الثقافى لدى الشباب حتى يستطيعوا مواجهة الحرب النفسية التى تبثها وسائل الاعلام بغرض بث روح اليأس لدى المجتمع.