يأتى شهر أكتوبر العظيم.. ومعه ذكريات الأيام المجيدة التى عشناها مع نصر السادس من أكتوبر العاشر من رمضان.. وتتداعى معها أيضا ذكريات عديدة لما قبل حرب أكتوبر ومابعدها..
كان الوصول الى يوم السادس من أكتوبر 1973 هو تتويج لسنين عشناها قبل ذلك اليوم.. كانت سنوات حشد واحتشاد.. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. الجيش يعاد بناؤه.. والناس يعيشون اياما من الأسى والألم.. يتحينون لحظة المعركة.. ويتقبلون كل عبء فى سبيل الوصول الى ذلك اليوم..
ولم تكن الشهور ولا السنوات هادئة ساكنة.. فبعد أسابيع قليلة من 5 يونيو 1967 كانت بطولة جنودنا فى معركة رأس العش.. وقبل أقل من خمسة أشهر كانت ضربة اغراق المدمرة ايلات.. التى غيرت نظريات حروب البحار.. وقامت حرب الاستنزاف التى لم تدع العدو يهدأ.. أو يهنأ بوجوده على الضفة الشرقية لقناة السويس..
وجرى تهجير أبناء مدن القناة حتى لا يكونوا هدفا لنيران العدو.. الذى قصف معامل البترول.. وامتد بعدوانه الى الداخل فقصف مصانع أبو زعبل ومدرسة بحر البقر.. وكان لابد من تحرك لمواجهة هذا كله.. فكان وصولنا أخيرا الى اقامة حائط الصواريخ.. وأسبوع اسقاط الفانتوم الاسرائيلية.. وقبلها ايلام العدو باغراق سفنه فى ميناء ايلات.. وهزيمته فى معركة جزيرة شدوان..
ورحل جمال عبد الناصر قبل أن يشهد الأيام المجيدة التى عاش سنواته الأخيرة يعد لها ليل نهار.. وجاء أنور السادات رئيسا ليقدر له أن يكون بطل الحرب والسلام..
وقبل قرار الحرب عشنا أياما كلها قلق.. وشك.. وجاء عام الضباب.. وفتحنا قناة السويس رغم أنف العدو.. ونفذنا خطة خداع حققت المفاجأة الكاملة للعدو الذى عاش وهم أن مصر لن تتمكن من الحرب..
>>>
ولكن جاءت الحرب فى 6 أكتوبر.. فى يوم عيد الغفران.. ليقتحم الجيش المصرى قناة السويس.. ويعبرها.. ويسيطر على خط بارليف.. وتسقط حصونه واحدا بعد الآخر.. بعد أن دكت الضربة الجوية مراكز اتصالات العدو وتمركزاته.. ودوت المدفعية المصرية على امتداد شاطئ القناة.. عبر الجنود الى سيناء.. متسلقين خط بارليف.. بينما رشاشات المياه تفتح الثغرات فى هذا الخط لتقتحمه دباباتنا بعد أن اقتحمه جنودنا.. وفى 6 ساعات فقط انهارت أسطورة الجيش الذى لا يقهر.. وعبر عشرات الآلاف من الجنود المصريين مع صيحات الله أكبر.. الى سيناء..
كانوا يقولون إن خط بارليف يحتاج الى قنبلة ذرية لتهدمه.. وكانوا يقولون ان مياه القناة ستشتعل بينران النابالم اذا حاول المصريون العبور.. ولكن هذا كله هزمته عبقرية المصريين.. كانوا يقولون إن طائرات اسرائيل تفوق طائراتنا وأسلحتها تتفوق على أسلحتنا.. ولكنهم نسوا ايمان المقاتل المصرى بقضيته.. نسوا أنه يحارب ليسترد أرضه.. ونسوا ان عبقرية الاعداد.. وعبقرية التخطيط.. وعبقرية التنفيذ.. ألغت هذه الفوارق.. بتفوق الجندى المصري.. وبارك الله فى طيران مصر ومدفعيتها وجنودها..
مع الخداع الذى تجرعه العدو.. كان الحصار.. واغلاق البحر الأحمر من الجنوب فى باب المندب.. قبل أن تبدأ الحرب كان أسطولنا قد توجه الى مواقعه ليغلق البحر الاحمر..
كانت أياما مجيدة.. ارتفعت فيها رءوسنا الى عنان السماء.. استعدنا الكرامة.. مع لحظات النصر الكبير.. وعندما حدثت الثغرة.. كنا جميعا ندرك أنه مقضى على كل من فيها بالفناء.. وكان جيشنا يحاصرها من كل اتجاه.. ولو لم تتدخل أمريكا لكان هناك حديث آخر..
>>>
نتذكر كلنا ما بعد ذلك.. وصولا الى اتفاقات السلام.. وجلاء قوات العدو على مراحل انتهت فى 25 أبريل 1982.. ولم يعش أنور السادات ليرى اكتمال الانسحاب.. اغتالته يد الغدر والخيانة.. وبقيت طابا.. تمسك العدو بالبقاء فيها بعد أن غير مواقع علامات الحدود.. وكان العدو يأمل أن يفسد بتمسكه بطابا مواعيد الانسحاب.. ولكن مصر فوتت الفرصة.. وانتهى الأمر الى قبول العدو التحكيم الذى أصدر حكمه فى 29 سبتمبر 1989 بأن طابا مصرية.. وعادت طابا الى مصر فى 15 مارس 1990 بخروج آخر جندى اسرائيلى منها.. وتم الاحتفال برفع العلم المصرى عليها فى احتفال رسمى وشعبى فى 19 مارس 1990.
>>>
بعد الحرب تغير وجه الحياة فى مصر.. ودخلنا مراحل جديدة من البناء.. ولكن هذه الحرب غيرت أيضا العالم.. فبعد أن غيرت نظريات الحرب بما فرضه المقاتل المصرى على الأرض.. وفى البحر.. وفى الجو.. غيرت أيضا العالم من خلال الاقتصاد.. فالعالم الذى يقوم اقتصاده على الطاقة التى يولدها البترول.. لم يعد يحصل على البترول بحفنة دولارات.. قفزت الحرب بأسعار البترول قفزة خرافية.. وحقق هذا ثروات هائلة للدول البترولية.. وخصوصا دول الخليج.. وأحدثت الثروات الجديدة طفرات هائلة فى هذه الدول.. والفضل فى ذلك كله يرجع الى المقاتل المصري.. الذى حقق نصر أكتوبر.. وغير موازين القوى فى العالم.. وأصبح من حق من يملكون هذه الثروة أن يحصلوا على قيمتها الحقيقية..
>>>
بعد الحرب.. وبعد النصر.. وانسحاب العدو.. ولدت صناعة السياحة المصرية الحديثة.. كانت السياحة فى الماضى قبل نصر أكتوبر وانسحاب العدو تعتمد على سياحة الآثار فى القاهرة والأقصر وأسوان.. خرج العدو من سيناء.. فعادت السياحة فى البحر الأحمر وسيناء.. انتعشت الغردقة.. ورأس سدر.. ومع اتمام الانسحاب بدأت السياحة فى مدن جنوب سيناء وعلى رأسها شرم الشيخ.. ودهب ونويبع ثم طابا بعد حكم التحكيم..
والآن أصبحت مدن البحر الأحمر فى الغردقة ومرسى علم وسفاجا مع مدن جنوب سيناء أهم المقاصد السياحية المصرية جذبا للحركة السياحية صيفا وشتاء.. وبعد امتداد السياحة الداخلية الى الساحل الشمالي.. بدأت السياحة الخارجية تعرف طريقها اليه.. ولكن الطفرة الحقيقية للساحل الشمالى بدأت مع انشاء مدينة العلمين الجديدة.. التى أصبحت وبما قام حولها وما يجرى انشاؤه فى رأس الحكمة وسيدى عبدالرحمن ومطروح.. مركزا جديداً من مراكز الثقل فى الحركة السياحية العالمى الوافدة الى مصر..