يعد فوز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للفترة من2025 إلي 2029 انتصاراً تاريخياً لمصر، ليس فقط من حيث المكانة الدولية، بل بما يحمله من رمزية ثقافية ودبلوماسية تؤكد أن صوت مصر كان ومازال حاضراً بقوة علي الساحة العالمية.
هذا الفوز لا يمكن اعتباره مجرد إنجاز شخصي لعالم مصرى مشهود له بالكفاءة، بل هو تتويج لسياسة مصرية واعية نجحت في السنوات الأخيرة في إعادة الاعتبار للدبلوماسية الثقافية كأداة فعالة من أدوات القوة الناعمة المصرية فمن خلال هذا المنصب الرفيع، تعود مصر لتحتل موقع القيادة في واحدة من أهم المنظمات الأممية المعنية بصون التراث الإنساني ونشر قيم التعليم والثقافة والسلام.
انتخاب العناني وهو أول عربي وإفريقي يتولي هذا المنصب يعكس اجماعاً دولياً علي الثقة في مصر وفي قدرتها علي بناء جسور التفاهم بين الشعوب لقد جاء هذا الفوز بدعم كامل من الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ما يجعله تجسيداً لوحدة الموقفين العربي والإفريقي، ويؤكد أن القاهرة قادرة علي أن تكون صوت الجنوب العالمي في زمن تتسارع فيه التحولات وتشتد فيه الصراعات.
أما علي المستوي الوطني، فإن هذا الإنجاز يعزز المكانة التي رسخها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لمصر كدولة مؤثرة في محيطها، تعتمد في سياستها الخارجية علي قوة الفكر والتراث والحوار، لا علي الصدام أو الانعزال، وهو امتداد طبيعي لنهج الدولة في استثمار الإرث الثقافي المصري العريق لتعزيز حضورها في المحافل الدولية.
الدكتور خالد العناني، الأكاديمي والعالم المرموق في علم المصريات، يجمع بين الخبرة العلمية والقدرة الإدارية والدبلوماسية التي اكتسبها من عمله وزيراً للسياحة والآثار، وخلال فترة توليه الوزارة، نجح في تحويل مشروعات كبري مثل تطوير منطقة الأهرامات وافتتاح المتحف القومي للحضارة إلي قصص نجاح ربطت بين الحفاظ علي التراث والتنمية المستدامة، وهو ما يمثل جوهر رسالة اليونسكو نفسها.
من المتوقع أن يكون توجهه في قيادة المنطقة امتداداً لهذا الفكر المتوازن، خاصة مع شعاره الإنساني «اليونسكو من أجل الشعوب»، الذي يركز علي إتاحة التراث والتعليم للجميع، وإصلاح البيروقراطية داخل المنظمة، وتبني أساليب تمويل مبتكرة عبر الشراكات الثقافية والإعلامية.
لقد اختارت الدول الأعضاء في اليونسكو العناني لأنها رأت فيه قائداً قادراً علي التجديد والتوحيد في آن واحد؛ قائداً يتحدث بلغة العلم، ويؤمن بأن الثقافة هي الطريق الأنجح لبناء السلام ومواجهة التطرف والفقر والتمييز.
إن انتخابه لا يضيف فقط صفحة جديدة في سجل انجازات الدبلوماسية المصرية، بل يبعث برسالة قوية إلي العالم مفادها أن مصر مازالت حاملة مشعل الحضارة والفكر والتنوير، وأنها قادرة علي المساهمة بفاعلية في صياغة مستقبل الثقافة والتعليم علي المستوي الدولي.
إنه بالفعل نصر الدبلوماسية الثقافية المصرية، وانتصار لفكرة أن قوة الأمم لا تقاس فقط بما تمتلكه من موارد أو جيوش، بل بما تقدمه من فكر وقيم وإبداع.
مصر اليوم تؤكد من جديد أن الثقافة هي طريقها الدائم نحو الريادة، وأنها مهما تغيرت الأزمنة ستظل قلب العالم النابض بالحضارة والسلام.