سألت عم سعيد البواب، وهو صعيدى من قنا يعمل فى العمارة منذ سنوات طويلة: «انت عندك بطاقة تموين؟» .. ابتسم وقال «ولا حتى اعرف كيف يطلعوها» .. فسألته «طيب بتشترى العيش منين؟» رد بسرعة «عادى من السوبر ماركت أو الفرن.. بس العيال ما يرضوشى ياكلو أبو رده».
تعجبت أن بإمكانه شراء الخبز من المخبز رغم أنه لا يحمل بطاقة تموين، لكن سرعان ما اكتشفت أن هذا أمر شائع فى منطقتنا. فالرغيف «أبو ردة» يباع بأربعين قرشا لمن لا يحمل بطاقة، بينما يباع فى نفس المخبز بعشرين قرشا فقط لحاملى البطاقات التموينية.
هكذا هو الحال.. رضينا أم لم نرض .. منظومة دعم الخبز بها بعض الثغرات تجعل التلاعب أمرا معتادا مهما فتشنا ومهما راقبنا.. تذكرت حينها ما قاله شارل ديجول «من الصعب أن أحكم شعبا يأكل 246 نوعا من الجبنة!»، وأشفقت على حكومتنا والتى تحاول أن تدير شئون شعب وهبه الله ذكاءً فريدا، لكنه يسخره احيانا للتحايل والالتفاف بدلا من الإبداع والعمل.
الدولة تتحمل نحو 125 مليار جنيه سنويا لدعم رغيف الخبز ليستفيد منه حوالى 70 مليون مواطن. الحكومة توفر الدقيق للمخابز بسعر مدعوم لتنتج الرغيف وتبيعه للمواطن بعشرين قرشا، بينما تكلفته الحقيقية 120 قرشا وتتكلف الحكومة هذا الفارق الكبير فى السعر. نحن لدينا 30 ألف مخبز على مستوى الجمهورية تنتج نحو 270 مليون رغيف يوميا أى أن الدولة تتحمل 270 مليون جنيه يوميا إضافة الى أنها تتحمل أيضًا نفقات التأمين على عمال المخابز وكذلك ميزانية ضخمة مخصصة للرقابة والتفتيش.
لكن وللأسف فهناك سلبيات كثيرة.. تلاعب بعض أصحاب المخابز فى الدقيق المدعم .. وأحيانا الغش فى مواصفات الخبز المدعم.. إضافة الى أن كثيرا ما ينتهى المطاف بالخبز المدعم كعلف للفراخ والأرانب، أو فى صناديق القمامة. القاعدة الاقتصادية واضحة: وجود سلعة واحدة بأسعار مختلفة يفتح بابا واسعا للتلاعب والتهريب.
الدولة على علم كامل بأبعاد هذه المشكلة .. والحوار مستمر للتغلب عليها ..والدعم النقدي، على رأس البدائل المطروحة ولكنه يظل محفوفا أيضا بالسلبيات. فقد يستخدمه بعض محدودى الدخل فى شراء ما لا يفيد، وتضيع الفكرة من أساسها.
من هنا جاء تفكيرى فى بديل مختلف. وسألت نفسي: ما الذى لا يستغنى عنه أى بيت فى مصر بجانب الخبز؟ وجدت أن الإجابة هى الكهرباء. لا يوجد منزل بلا كهرباء مهما اختلف المستوى المعيشي. وفاتورة الكهرباء دائما من أهم بنود الصرف للمواطن .. هذا مما يستدعى أن نفكر فى تخصيص شريحة أساسية من استهلاك الكهرباء- تكفى لإنارة البيت وتشغيل الثلاجة- تكون مدعومة بالكامل من الدولة.. هذه الشريحة يمكن تحديدها بدقة من خلال بيانات شركات الكهرباء فى كل منطقة، وبالتالى يصل الدعم مباشرة إلى كل أسرة، دون تهريب أو تلاعب.
قد تكون هذه الفكرة صائبة، وربما تحتاج إلى دراسة وتطوير أكثر، لكن المؤكد أن الاستمرار فى دعم الخبز بهذا الشكل يعنى مزيدا من الهدر والفساد. أما التفكير خارج الصندوق، فقد يمنحنا فرصة لتوجيه الدعم بذكاء وعدالة..