لم يكن نصر أكتوبر وليد صدفة، ولا مجرد مواجهة عسكرية بين جيشين يسعى كلٌ منهما لإسقاط الآخر، بل كانت معركة إرادة وتحدٍ، هدفها الأول استعادة الأرض والكرامة مهما كلفنا من تضحيات..فالتاريخ لا يصنعه الهواة ولا مدّعو الحضارة، بل تصوغه أيادٍ من ذهب لأبطال كتبوا بأرواحهم أعظم صفحات المجد، لتبقى قصصهم شاهدة تُروى للأجيال جيلاً بعد جيل، تحكى كيف واجه المصريون التحدي، وتجاوزوا المستحيل، وحطموا أسطورة «الجيش الذى لا يُقهر».. تُعد حرب أكتوبر 1973 واحدة من أعرق وأشرف الحروب فى التاريخ، لما شهدته من معارك بطولية خالدة سطرها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فوهبوا أرواحهم فداءً للوطن ودفاعًا عن أرضه المقدسة..واحتفالاً بالذكرى الـ 52 لانتصارات أكتوبر المجيدة، تستعرض جريدة «الجمهورية» فى السطور التالية أبرز معارك الحرب وبطولات الرجال، بعد العبور العظيم فى 6 أكتوبر 73 حيث بدأت مرحلة جديدة أكثر شراسة وندية شهدت خلالها المواجهات امتدادًا لملحمة الصمود والتحدي، حيث سطّر أبطال القوات المسلحة المصرية بطولات خالدة فى الدفاع عن المكاسب التى تحققت، وتثبيت رءوس الجسور، ومواجهة محاولات العدو اليائسة للالتفاف أو استعادة ما فقده، حيث تجلت أعظم صور الشجاعة والتخطيط العسكري، وبرزت أسماء وحدات وأبطال خلدهم التاريخ، أثبتوا أن إرادة النصر لم تتوقف عند عبور قناة أو تحطيم خط بارليف، بل تستمر حتى تحقيق الهدف الكامل، حماية الأرض واسترداد الكرامة.

أبو عطوة.. «بطولة كتيبة» 139 صاعقة
بدأت معركة أبو عطوة يوم 22 أكتوبر عندما فتح العدو ثغرة بغرب قناة السويس وكانت الكتيبة 139 صاعقة بقيادة إبراهيم الدسوقى هى الموكلة للتصدى لقوات العدو واشتبكت معهم واستشهد «الدسوقي» أثناء محاولته وضع قنبلة لتعطيل دبابات العدو قبل التقدم نحو الإسماعيلية ونجح فى تفجيرها ولكنه استشهد بالقنبلة نفسها.
كان هدف العدو احتلال مدينة الإسماعيلية حتى يحدث خللاً فى إستراتيجية الجيش الثانى الذى كان يعمل بالجبهة وأيضا احتلال مدينة بورسعيد، وقد كان دور الكتيبة 139 خلال حرب أكتوبر عام 73، مهمًا للغاية وهدفها تعطيل قوات العدو على المحور الساحلى وتأخير وصوله إلى السويس فى اتجاه الغرب وتعطيل العدو 24 ساعة على هذا المحور، حيث كانت كتيبة صغيرة من أفراد الصاعقة ومكلفين بالتأمين.
روى اللواء صادق عبد الواحد المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أحد أبطال معركة أبو عطوة، أن مهمته كانت ضمن وحدة مجموعة الصاعقة 139 وكانت إعادة تنظيم عمليات القوات العائدة من الشرق للتصدى للقوات الإسرائيلية التى عبرت فى الثغرة وتنظيمهم فى أبو عطوة وما حولها مع إعادة تمركز الكمائن التى سبقت هذه العملية ومحاولة الدخول عن طريق الكمائن فى مدخل مدينة الإسماعيلية.
قوات العدو الاسرائيلى كان هدفها الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية، لأنها نطاق الجيش الثانى واتجاه رئيسى للقوات المسلحة بسيناء واحتلال مدينة الإسماعيلية ومدخل بورسعيد نتيجة التخطيط الإسرائيلي، ولكن أعمال قوات الصاعقة التى لم تبق بمكان معين ولم تتسلح بأسلحة ثقيلة، وكانت تتمسك بالأرض وخاصة بعد رسالة الرئيس أنور السادات بأنه يتابع المهمة وأرساله رسالة للمجموعة بالإصرار والتماسك لأخر لحظة.
وقال إنه يوم 22 أكتوبر تقدمت قوات العدو حتى تقابلت مع الكمين الأول بقيادة الرائد إبراهيم الدسوقى واستشهد فيها لمنع العدو من الدخول وحدثت خسائر لدبابة وعربتين لقوات العدو وتدخلت الكتيبة لتأمين المنطقة ونظمت الكمين الأساسى الذى وقعت فيه الاشتباكات والعدو قام بقصفنا بالطائرات والمشاة فى وقت واحد، وتم الرد عليهم بالمدفعية وكان الانتصار حليفنا ولم يستطع جيش الاحتلال السيطرة على مدينة الاسماعيلية.
القنطرة شرق
أبطال الصاعقة.. رجال «المهام المستحيلة»



لم تكن مهمة تحرير مدينة القنطرة شرق، أمرًا سهلاً لقوة ومناعة التحصينات، وتمركز كتيبتى مشاة ودبابات للدفاع عن النقاط الحصينة، ومهارة توزيع قوات العدو وكذلك أسلوب وطريقة الإدارة المحتملة لمعركته الدفاعية وتمركز احتياطيات محلية من الدبابات والمشاة الميكانيكى فى مناطق تقاطعات الطرق 5 كم شرق القنطرة ومنطقة لسان الحرش.
ذكر فؤاد عزيز غالى قائد فرقة المشاة الميكانيكى المكلفة بإدارة معركة تحرير القنطرة خلال حرب أكتوبر، أن العملية بدأت مع الضربة الجوية والتمهيد النيرانى للمدفعية لاقتحام النقاط الحصينة حيث قامت القوات المترجلة من المشاة والأسلحة المشتركة بإخراج القوارب بينما احتلت الدبابات والأسلحة المخصص لها مهام ضرب مباشر ومعاونة الاقتحام واحتلت المدافع بـ 11 المخصصة لفتح الثغرات فى موانع الأسلاك والألغام وفتح 3 ثغرات فى مواقع كل نقطة حصينة بعدها بدأ عبور عناصر الاستطلاع وأطقم اقتحام الدبابات لاحتلال أوضاع شرق القناة وعبرت الكمائن وبدأ عبور كتيبة صاعقة من شمال المدينة لتحتل الساتر الترابى الثانى شرق الموقع الحصين والمبانى على المشارف الغربية للمدينة .
بعدها بدأ إنزال قوارب الموجة الأولى لاقتحام النقاط الحصينة وتتابع اقتحام وعبور قواتنا شرقاً بنفس قوارب الموجة الأولى بعد إعادتها للضفة الغربية فى رحلات متتالية، واقتحمت 7 مفارز من قوات الفرقة نقاط العدو الحصينة السبع وتم الاقتحام من خلال الثغرات التى سبق فتحها وتم الاستيلاء على أول نقطة على مستوى الجبهة وهى النقطة الحصينة (القنطرة 1) وبعدها تم تدمير النقاط الحصينة والاستيلاء على 6 منها.
وبقيت النقطة الحصينة (القنطرة 3) (بلدية القنطرة) محاصرة حتى اليوم الثانى بعد إحكام حركة الحصار الداخلية حول مدينة القنطرة شرق بمجرد عبور القوات لقناة السويس والاستيلاء على نقاط خط بارليف قام العدو بهجمة مضادة باستخدام احتياطيه داخل مدينة القنطرة وباحتياطاته المحلية والتكتيكية والتعبوية قام بهجوم مضاد داخل مدينة القنطرة باتجاه الموقع الحصين على الميول القريبة لقناة السويس غرب مدينة القنطرة تم صده بواسطة كتيبة صاعقة بالتعاون مع القوات الساترة لعملية اقتحام النقاط الحصينة.
حاول العدو الالتفاف على كتيبة الصاعقة من الشمال فتعرض لنيران الأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ من الجانب الأيمن وتكبد خسائر فادحة وارتد المتبقى لداخل المدينة للدفاع عنها وكرر الهجوم مرة أخرى وكان نصيبه الفشل بينما استولت قواتنا على الساتر الترابى على المشارف الشمالية للمدينة وأحكمت بذلك حلقة الحصار حول المدينة.
استمرت الهجمات المضادة للعدو إلا أنه مع نهاية اليوم الأول 6 أكتوبر تم الاستيلاء على جميع النقاط الحصينة عدا النقطة الحصينة (القنطرة شرق) التى تمت محاصرتها تمهيدا لتدميرها وتم إحكام حلقة الحصار الداخلية على العدو بالاستيلاء على السواتر الترابية التى أقامها حول مدينة القنطرة وتحققت المهمة المباشرة بالاستيلاء على رأس كوبرى بعمق حتى 6كم والتمسك بها .
مع أول ضوء يوم 7 أكتوبر1973 حاول العدو فك الحصار على المدينة بالقيام بهجمات مضادة مكثفة وتمكنت قواتنا من تدمير والاستيلاء على 37 دبابة ومع آخر ضوء تمكنت قواتنا من تدمير العدو فى النقطة الحصينة (القنطرة 3) وتحرير مدينة القنطرة شرق وتوسيع رأس الكوبرى المحدد للفرق بعمق 9كم.
وقال عنها المشير عبد الغنى الجمسى قائد عمليات القوات المسلحة فى حرب أكتوبر،: «لقد كانت الحصون التى بناها العدو فى قطاع القنطرة شرق من أقوى حصون خط بارليف وصل عددها إلى سبعة حصون، كما أن القتال داخل المدينة يحتاج إلى جهد لأن القتال فى المدن يختلف عن القتال فى الصحراء».
ولذلك استمر القتال شديدا خلال هذا اليوم.. واستمر 7 و 8 أكتوبر حيث استخدم فيه السلاح الأبيض لتطهير المدينة من الجنود الإسرائيليين وتمكنت القوات فى نهاية يوم 7 أكتوبر من حصار المدينة والسيطرة عليها تمهيداً لتحريرها.

«تبة الشجرة»
المصريون يحطِّمون «رأس الأفعى»
تقع منطقة «تبة الشجرة» على بعد 10 كيلومترات من مدينة الإسماعيلية و9 كيلومترات شرق قناة السويس، واختارتها إسرائيل مع عدة مواقع لتحصين قواتها إلى جانب خط بارليف بمنطقة القناة أثناء حرب أكتوبر المجيدة، ويرجع تسميته بهذا الاسم إلى أنه أثناء تصوير الطيران المصرى للموقع، تم اكتشاف هيكله والذى تبين أنه على شكل جذوع الشجر، لكن إسرائيل كانت تطلق عليه «رأس الأفعى المدمرة»، علامة على الارتكاز مثل الأفعى للسيطرة على كل ما حولها.
وتعد تبة الشجرة أهم نقطة حصينة أنشأتها إسرائيل على طول خط بارليف عقب نكسة عام 1967، وذلك من أجل التحكم فى 8 نقاط حصينة على طول خط بارليف، من منطقة «البلاح» شمالاً، حتى الدفرسوار جنوباً، وكان اختيار إسرائيل لذلك الموقع تحديداً، لأنه يرتفع عن سطح قناة السويس بواقع 74 متراً، فيمكن من خلاله رؤية خط بارليف على طول مجرى القناة.
أثناء حرب السادس من أكتوبر، فى اليوم الثالث على بداية المعركة، تقدمت قوات من الجيش المصري، للسيطرة على الموقع، وبعد قتال عنيف مع القوات الإسرائيلية، استطاعت القوات المصرية الاستيلاء على الموقع، وتدمير عدد كبير من الدبابات الإسرائيلية.
عقب الدخول من الباب الرئيسى للموقع، تنتشر على اليمين واليسار، مجموعة من الدبابات والسيارات، التى تم تدميرها أثناء اقتحام القوات المصرية له، ويوجد أيضا 3 مواقع للألغام ما زالت كما هى حتى الآن كانت إسرائيل قد قامت بوضعها فى الرمال، من كافة الاتجاهات المحيطة بالموقع، حتى إذا حاولت القوات المصرية الدخول يتم التفجير فى الحال.
عقب اقتحام الجيش المصرى لـ«تبة الشجرة»، تم الاستيلاء على 3 أجهزة لاسلكية كانت إسرائيل تستخدمها فى إرسال الإشارات إلى كافة النقاط الحصينة على طول خط بارليف، وجهاز د3 ألمانى الصنع، خاص باستقبال الإشارات الواردة من العاصمة الإسرائيلية «تل أبيب».
يحتوى الموقع على عدد من الأسلحة والذخيرة، ومجموعة من الدانات التى كانت تطلقها إسرائيل على الجيش المصري، تحتوى بداخلها على ورقة مكتوب عليها «سلم نفسك، إسرائيل هى الأم»، وذلك لإحباط الروح المعنوية عند الجنود المصريين .
يحتوى الموقع على خندقين كبيرين، لا يظهران لأى طيران مصرى محلق فى السماء استطاعت إسرائيل أن تشيد هذا الحصن بطريقة هندسية يصعب تدميرها، عن طريق 5 طوابق مبنية بصخور ذات أحجام كبيرة، مترابطة بمجموعة من الأسلاك، ويقال أن اسرائيل استخدمت الجنود المصريين الذين تم أسرهم عقب نكسة يونيو فى إحضار هذه الصخور من مياه القناة.
يحتوى الخندق الأول من الداخل على مجموعة من الغرف، لضباط الأمن، وغرفة لضابط مخابرات، وغرف لاستقبال الاتصالات والإشارات الواردة من النقاط الحصينة على خط بارليف أو استقبال الإشارات من «تل أبيب»، وتحتوى الجدران على مجموعة من الصور لعدد من القادة الإسرائيليين فى ذلك التوقيت، كان أبرزهم رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير وموشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى وقت حرب السادس من أكتوبر، وحاييم بارليف، صاحب فكرة بناء خط بارليف.
أما الخندق الثاني، فهو يشتمل على 6 غرف «مبيت» للضباط، ومطبخ لتحضير الطعام، وغرفة لتناول الطعام، وعيادة طبية، كما توجد وحدة تكييف مركزية داخل الحصن، فيما وضعت إسرائيل حواجز أسفنجية بين الجدران، حتى يكون هناك عزل للصوت بين الغرف.
كانت إسرائيل تضع أعلى سطح التبة، سلاحاً من المدفعية، تستطيع من خلاله إطلاق الذخائر على مدينة الإسماعيلية، وإصابة مواقع الجيش المصرى على الضفة الغربية.
فى منتصف الموقع، يوجد نصب تذكارى مكتوب عليه «لوحة شرف أبطال معركة تبة الشجرة»، ولوحة أخرى عليها أسماء الشهداء الذين سقطوا أثناء هذه المعركة، من أجل الانتصار واسترجاع الأرض، وقد حولت القوات المسلحة المصرية «تبة الشجرة»، إلى مزار سياحى للمواطنين.
الفردان
خداع إستراتيجى .. وكفاءة «قائد مصرى»
«الفردان» هى إحدى معارك حرب أكتوبر 1973 التى بدأت أحداثها فى شرق الإسماعيلية فى اليوم الثالث للحرب وانتهت بسحق شامل للواء 190 مدرع إسرائيلى وأسر قائد اللواء العقيد عساف ياجورى و8 دبابات سليمة .
بعد إعادة العدو تنظيم قواته، حاول «أدان» قائد فرقة مكونة من 3 لواءات مدرعة الهجوم مرة أخري بـ «لواءين» مدرعين ضد أحد ألوية قطاع شرق الإسماعيلية (الجيش الثاني) ودارت معركة الفردان، وفى 8 أكتوبر 1973 قامت الفرقة الثانية مشاة بالجيش الثانى بصد الهجوم المضاد الذى قام به اللواء 190 مدرع الإسرائيلى (دبابات هذا اللواء كانت تتراوح ما بين 75 حتى 100 دبابة) ونجح فى تدمير كافة دباباته وأسر قائد إحدى كتائب اللواء وهو العقيد عساف ياجوري.
ذكر المؤرخ العسكرى جمال حماد فى كتابه المعارك الحربية على الجبهة المصرية أن قرار قائد الفرقة الثانية يعتبر أسلوبًا جديدًا لتدمير العدو وهو جذب قواته المدرعة إلى أرض قتل داخل رأس كوبرى الفرقة والسماح لها باختراق الموقع الدفاعى الأمامى والتقدم حتى مسافة 3 كيلومترات من القناة.. وكان قرار قائد الفرقة الثانية مشاة خطيرًا– وعلى مسئوليته الشخصية– ولكن المفاجأة فيه كانت مذهلة مما ساعد على النجاح، وبمجرد دخول دبابات اللواء أرض القتل أنطلقت عليهم النيران من كافة الاسلحة بأوامر من قائد الفرقة الثانية مشاة.. مما أحال أرض القتل إلى جحيم، وخلال دقائق تم تدمير معظم دبابات العدو وتم الاستيلاء على 8 دبابات سليمة كما تم أسر العقيد عساف ياجورى قائد كتيبة النسق الأول من لواء نيتكا– 190 مدرع– ).
وعن معركة الفردان ذكر اللواء محمد عبد الغنى الجمسي، رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973، أن الدبابات الإسرائيلية اندفعت لاختراق مواقع أبو سعدة فى اتجاه كوبرى الفردان بغرض الوصول إلى خط القناة، وكلما تقدمت الدبابات الإسرائيلية ازداد أمل أدان– قائد الفرقة التى يتبعها لواء نيتكا 190 مدرع– فى النجاح.
فوجئت القوة المهاجمة بأنها وجدت نفسها داخل أرض قتل والنيران المصرية تفتح ضدها من ثلاث جهات فى وقت واحد تنفيذا للخطة.. وكانت المفاجأة الأقوى أن الدبابات المعادية كان يتم تدميرها بمعدل سريع بنيران الدبابات المصرية والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية.
كانت الدبابات الإسرائيلية المتقدمة باندفاع شديد تتكون من 35 دبابة مدعمة بقيادة العقيد عساف ياجورى وهى إحدى الوحدات التى كانت تتقدم الهجوم، فأصابه الذعر عندما أصيبت ودمرت له 30 دبابة خلال معركة دامت نصف ساعة فى أرض القتل.
لم يكن أمام عساف ياجورى إلا القفز من دبابة القيادة ومعه طاقمها للاختفاء فى إحدى الحفر لعدة دقائق ووقعوا بعدها فى الأسر من رجال الفرقة الثانية وظلت هذه الدبابة المدمرة فى أرض المعركة تسجيلا لها ليشاهدها الجميع بعد الحرب.
«المزرعة الصينية»
درس لن ينساه العدو
بدأت معركة المزرعة الصينية يوم 15 أكتوبر بعدما استنفد العدو الإسرائيلى جميع محاولاته للقيام بالهجمات والضربات المضادة ضد رءوس الكبارى فبدأ تفكيره يتجه إلى ضرورة تكثيف الجهود ضد قطاع محدد حتى تنجح القوات الإسرائيلية فى النفاذ إلى غرب القناة وكان اختيار القيادة الإسرائيلية لمنطقة المزرعة الصينية.
قام العدو بهجوم مركز بالطيران طوال اليوم على جميع الخنادق وقيادة الكتيبة وكان الضرب دقيقا ومركزا، كما سلطت المدفعية بعيدة المدى نيرانها بشراسة طوال النهار، واستمر هذا الهجوم حتى غروب الشمس، ولم يصب خلال هذا الضرب سوى 3 جنود فقط، وكان ذلك بسبب خطة التمويه والخداع التى اتبعتها الكتيبة، فقبل أى ضربة جوية كانت تحلق طائرات لتصوير الكتيبة، وبعد التصوير مباشرة كانت تنقل الكتيبة بالكامل لمكان آخر فيتم ضرب مواقع غير دقيقة.
وفى الساعة الثامنة إلا الربع مساء نفس اليوم ترامت إلى أسماع الكتيبة أصوات جنازير الدبابات باعداد كبيرة قادمة من اتجاه الطاسة وفى الساعة الثامنة والنصف قام العدو بهجوم شامل مركز على الجانب الأيمن للكتيبة مستخدما 3 لواءات مدرعة بقوة 280 دبابة ولواء من المظلات ميكانيكى عن طريق 3 محاور وكانت فرقة أدان القائد الإسرائيلى من 300 دبابة وفرقة مانجن القائد الإسرائيلى 200 دبابة ولواء مشاة ميكانيكى وتم دعمهم حتى تتم السيطرة، وعزز لواء ريشيف القائد الثالث بكتيبة مدرعة وكتيبة مشاة ميكانيكى وكتيبة مشاة ميكانيكى مستقلة، وأصبحت بذلك قيادة ريشيف 4 كتائب مدرعة وكتيبة استطلاع مدرعة و3 كتائب مشاه ميكانيكى وأصبحت تشكل نصف قوة شارون.
ومع كل هذا الحشد من القوات قام العدو بالهجوم وتم الاشتباك معه بواسطة الدبابات المخندقة والأسلحة المضادة للدبابات وتم تحريك باقى سرية الدبابات فى هذا الاتجاه، وقد أدت هذه السرية مهمتها بنجاح حيث دمرت12 دبابة ولم تصب أى من دباباتنا بسوء، وتم اختيار مجموعة قنص من السرايا وبلغت 15 دبابة وتم دفع أول مجموعة وضابط استطلاع وضباط السرايا، ثم دفعت الفصيلة الخاصة ومعها الأفراد حاملو الآر.بي.جى إلى الجانب الأيمن وقامت بالاشتباك مع العدو حتى احتدمت المعركة وقلبت إلى قتال متلاحم طوال الليل حتى الساعة السادسة صباح اليوم التالي، وقد تم تدمير 60 دبابة فى هذا الاتجاه.
وفى الساعة الواحدة من صباح يوم 16 أكتوبر قام العدو بالهجوم فى مواجهة الكتيبة 18 مشاة وأمكن صد هذا الهجوم بعد تدمير 10 دبابات و4 عربات نصف مجنزرة، امتد الهجوم لإحدى الكتائب وكانت بقيادة المقدم محمد حسين طنطاوي، وكانت قوة الهجوم عليه من لواء مظلى ومعه لواء مدرع وكتيبة، ونتيجة لقرار قائد الكتيبة تم حبس النيران لأطول فترة ممكنة وباشارة ضوئية منه تم فتح نيران جميع أسلحة الكتيبة ضد هذه القوات المتقدمة واستمرت المعركة لمدة ساعتين ونصف الساعة حتى أول ضوء، وجاءت الساعات الأولى من الصباح مكسوة بالضباب مما ساعد القوات الإسرائيلية على سحب خسائرها من القتلى والجرحي، ولكنها لم تستطع سحب دباباتها وعرباتها المدرعة المدمرة والتى ظلت أعمدة الدخان تنبعث منها طوال اليومين التاليين.
وقد وصف الخبراء هذه المعركة بأن قالوا أنها أكبر معركة فى التاريخ الحديث من حيث حجم المدرعات المشتركة بها، كما كان لهذه المعركة أكبر الأثر فى نصر أكتوبر المجيد وإعطاء العدو الإسرائيلى درسا لم ولن ينساه.